باتت الكآبة هي من تسكن منزلي
ما أقسى الحياة عندما تسرق منك أغلى ابتسامة وأجمل فَرحة، وأروعِ قلب فتكره حياتك، وتنقلب الدنيا على رأسك، وتصبح الآلام والأحزان لصيقة بحياتك في كل مراحِلها ولحظاتها بما في ذلك ساعات الفَرح، وعندما تبكي لا يسمعك أحد، عندما تصبح الوحدة رفيقةَ دربك، والمرارة أعز أصدقائك.
فهذه ام احمد البالغة من العمر 40سنة متزوجة ولديها أربعة أطفال ابنتان وصبيان كانت تعيش في مدينة حلب مكان عمل زوجها وكان عمل زوجها شرطي، وحياتها جميلة وهادئة جداً وقامت بتربية جميع أولادها حتى أصبحوا كباراً ويعتمدوا على أنفسهم.
ولكن بعد بدأ الثورة بمدة من الزمن عمت جميع انحاء سورية فمشاهدة زوجها الظلم والاهانة الذي يتعرض لها الشعب السوري وأقربائها في مدينة معرة النعمان جعله يتخلى عن عمله، ويقف بجانب أقربائه وأصدقائه الذين انتفضوا في وجه هذا النظام الظالم.
فقد عادت أم أحمد وعائلتها لتستقر في منزلها الذي كانت تأتي إليه أثناء العطلة فقط، كانت فرحتها لا توصف فقد كانت تظن نفسها أنها ستستقر في ذلك المنزل بجوار عائلتها، ولكن غصة من الحزن وفقدان الأمل كانت بداخلها فأولادها سيتركون المكان الذي اقاموا فيه ودرسوا فيه.
وبعد وصولهم بفترة بدأ زوجها بالعمل وقام بفتح محلاً لبيع المحروقات وقد تقدم لابنتها الكبيرة ياسمين شاب من أقرباء زوجها، فوافق الجميع على الشاب وزوجتها وأقامت في منزل بجانبها، أما ابنها احمد بعد ترك المعهد التحق في صفوف الجيش الحر، وبدأ بالخروج في المعارك والرباط.
طلب ولدها أحمد أن تبحث له على فتاة وكان ذلك فبدأت بالبحث حتى وجدت له فتاة وزوجته وجلس في غرفة بالمنزل وكانت فرحة جداً بزواجه لأنه ولدها الكبير وكانت متشوقة كثيراَ لكي ترى أحفادها.
ومرت الأيام وجاء اليوم الذي ذهب احمد به إلى الرباط في حلب مع أصدقائه ولم تعلم أن هذه المرة ذهب ولن تراه مجدداً، فقد استشهد هو وجميع من كان يرابط معه من أصدقائه، وذلك عندما التف جيش نظام الأسد حول مقرهم ولم يستطيعوا أن يأتوا بهم إلى المدينة فجميع الذين كانوا معه قد استشهدوا.
عندما سمعت بخبر استشهاده انهمرت دموعها وبدأت تصرخ بصوتاً مرتفع” أحمد لا ترحل دون أن أودعك دون أن اقبل جبينك يا ولدي” لحظات وفاته باتت ذكرى مؤلمة لن تنساها ما دامت على قيد الحياة، فقد بقيت رؤيته غصة في قلبها لأنهم لم يستطيعوا أن يأتوا بجثته.
فقالت أم احمد “فبعد رحيل احمد ذهبت ضحكاته التي كانت تملأ البيت، وباتت الكآبة هي من يسكن منزلي، في بعض الأحيان أظن أنني سأراه مجدداً، ولكنه للأسف رحل إلى الأبد دون عودة”.
كان ذلك أشبه على بالموت ونعم تمنيت حينها أن أموت أنا ولا أسمع ذلك الخبر، فقد تحطمت كل آمالي وأصبحت لا أغادر منزلي وغرفتي إلاّ نادراً، وأجلس الساعات الطوال وأنا وحيدة، وأدعو الله أن ينتقم من هذا النظام الغادر شر انتقام، وأن يصبرني على مصيبتي ويفرج عنا ما نحن فيه.