خرجنا من منزلنا في حلب إلى المجهول
حل الليل وسطع ضوء القمر في سماء القرية، وأنا وجارتي غزل نجلس على الشرفة المطلة على السهول، ونسمات الهواء تداعب المكان، كنا نتحدث وفجأةً انهمرت دموع عينيها، بعدها بدأت غزل تقص لي كيف وصلت هذه القرية، وما الذي عانته خلال تسع سنوات من الثورة بقولها: “كنت مستلقية بجانب طفلتي النائمة في تلك الليلة السوداء والهدوء يعم المكان، أجلس وأنظر لطفلتي النائمة بجانبي، لم أتخيل حدوث شيء، حين هبت عاصفة من الأصوات والضجيج والصراخ، وكثير من الرصاص الذي ينهمر من كل حدب وصوب، احتضنت طفلتي وقلبي يرتجف ويدق بسرعة هائلة”.
تابعت الحديث، “لم أكن أعلم ما وراء هذا كله، ولا ينتابني سوى الشعور بالخوف والأسئلة التي كثرت بداخلي، ماذا حدث في الحي؟ دخل زوجي وهو يصرخ بسرعة بسرعة، ويبدو وجهه شاحباً قلقاً، ووضع يده بيدي وأخذ يركض وأنا خلفه بالكاد أرى أين أضع قدمي، خرجنا وبدأ يتوضح لي ماذا يحدث فقد أشعل أهل الحي الدواليب المطاطية في كل الطرق، والرصاص يطلق من كل اتجاه، بعدها عرفت أن قوات نظام الأسد تداهم منطقتنا حي السكري بريف حلب، والذي كان يعمه الاستقرار أصبح ساحة معركة”.
بعد ذلك خرجنا بأنفسنا تاركين خلفنا منزلنا وكل شيء بداخله وكل ما جنينا، لنصل إلى قرية صغيرة بريف إدلب، حيث يقطن بعض أقارب زوجي، لم أعد أحس بجسدي المنهك من التعب بعد تلك الليلة القاسية التي مضت.
وبعد وصولنا منزل عمته التي تسكن غرفة واحدة، ومرور شهر على ذلك وكلنا أمل بالعودة إلى منزلنا، حتى جاءت ابنتها وأخرجتنا بالقوة من المنزل في غياب والدتها، فلم نجد أنا وزوجي وطفلتي سوى البساتين، وجلسنا تحت أشجار الزيتون أنظر حولي ولا أجد سوى التراب، وأسال نفسي.
أين منزلي الذي لا ينقصه شيء؟، وأين أنا الآن؟
أسئلتي الكثيرة التي لم أجد إجابة لها سوى الدموع التي تنهمر من عيني، وشيء يخنقني، وطفلتي بين زراعي تبكي شدة حرارة الشمس، لم أجد كلمات تعبر عن حزني، فقد أصبحنا بلا مأوى.
إلى أن جاءت ابنة عمه، وأخذتنا إلى غرفة صغيرة تملأها الخردة القديمة والأوساخ والفئران، لم يكن أمامنا خيار سوى أن ننظفها ونجلس بداخلها، وبسبب قلة فرص العمل لزوجي قررنا الذهاب إلى مدينة دمشق، حيث يعيش أهل زوجي.
وهنا كانت المفاجأة حين وصلنا!! فهم يسكنون غرفة وهم تسعة أشخاص وأنا وزوجي وطفلتي اثني عشر شخصاً، بدأت أشعر بالخيبة وسوء الحظ، وبدأ زوجي يعمل لكن بشكل متقطع والفقر حل علينا، وأغلب الأيام أنام جائعة، وطفلتي تبكي دائماً من الجوع لم يعد جسدي يحتمل لإرضاعها، ولا يوجد مكان ننام فيه غير تلك الغرفة، فجميعنا بداخلها، وبالكاد تتسع.
وبعد مضي سنة ونحن لا نعرف الراحة، حتى قررت العودة إلى ريف حلب وزيارة أهلي، وبعد عودتنا تبين أنني أحمل طفلي الثاني، ولم نجد سوى تلك الغرفة التي جلسنا بها في البداية، وسرعان ما التحق زوجي بالجيش الحر وبدأ العمل معهم، حتى مضت عدة سنوات ونحن على حالنا ليصبح لدي الآن ثلاثة صبيان وبنت، واشكو الله ضيق الحال، وزوجي الآن يعمل في المداجن ونتنقل من واحدة إلى أخرى، ونحن نحلم بالعودة إلى حلب رغم أنه لم يعد لدينا منزل بسبب القصف، وخسرنا كل ما لدينا هناك.
(تغريد العبدالله)