أتمنى لو أنه لم يستشهد ليرى طفله
أنا أم محمد، أبلغ من العمر خمسين عاماً، تزوجت من شاب من البلدة المجاورة لبلدتي، وكان زوجي يعمل شرطي، كانت حالتنا المادية جيدة رزقني الله ثمانية أولاد (أربعة صبيان وأربع بنات)، قمنا ببناء منزل كبير كانت السعادة تملئه لا ينقصني شيء، مرت سنوات طويلة واندلعت الثورة السورية لتغير مجرى حياتنا ودخل الحزن منزلنا، انشق زوجي عن نظام الأسد لما رآه من ظلم وتعذيب للشعب.
وكان ولدي الكبير محمد بالخدمة العسكرية، كنت في خوف دائم عليه فقد كنت أخشى عليه من ألا أراه مجدداً، ذلك الأمر دفع زوجي أن يتكلم معه ويخبره أن يأتي لرؤية جده فهو مريض مستلقي على الفراش، والحمدلله تمكن من أخذ إجازة وأتى إلى المنزل شكرت الله على وصوله بخير وسلامة.
وعندما اتى قرر أن ينضم إلى الجيش الحر، وبعد انضمامه بفترة أصبح قائد كتيبة، عندما نريد رؤيته كان علينا أن ننتظر قدومه مرة واحدة بالأسبوع، فقد كان يخرج إلى المعارك، وكانت عودته إلينا تعرضه للخطر بسبب وجود الحواجز المطلة على الطريق التي كانت تطلق النار عند رؤية أي ضوء مما جعله أكثر عرضة للخطر، وبعد مضي فترة على هذا الحال وفي أحد الأيام أثناء قدومه ألينا قامت عصابات الأسد بتوجيه قاذف أري جي على سيارته أثناء قدومه فاستشهد على الفور هو وصديقه الذي كان برفقته.
كان ولدي يبلغ من العمر ثلاثين عاماً، وهو شاب هادئ ليس له مشاكل محبوب من جميع الناس، أثناء دفنه لم أراه فقد قاموا بدفنه على الفور، ولم أعلم أنهم دفنوه دون أن أراه إلا بعد فترة بسبب تشوه جثته واحتراقها.
تألمت كثيراً على ولدي ولكنني أحاول تمالك نفسي وأحاول أن اتعايش وأنا متقبلة ذلك الأمر، ولكن خياله يلاحقني ولم أستطع نسيانه حتى هذه اللحظة.
بعد وفاته بمدة خمسة أشهر أنجبت زوجته طفلاً جميلاً، عندما أراه أحس بأنني أرى ولدي، وأتمنى ألا يكون قد استشهد ليرى طفله، ولكن كان القدر هو الأقوى وأخذه مغادراً الحياة ليستشهد ويبقى استشهاده ذكرى لا تنسى، فقد احترق قلبي لفراقه واسودت الدنيا في عيني، ولكن لا يسعني إلا أن أقول الحمدلله على كل حال.