ام حمود مزارعة كادحة على ضفة العاصي
في صباح يوم خريفي من عام 2019 تمشي أم حمود إلى بستانها البعيد عن منزلها قرابة نصف كيلومتر لتجمع الرمان المتساقط على الأرض بعد ليلة ماطرة وتقول: “المطر أسقط كثيراً من الرمان، والرمان المتساقط لا سوق له لأنه يتشقق ولا يصلح للتخزين، فقلت لنفسي خيراً من أن أتركه يعطل سأصنع منه دبس رمان لنا ولجيراننا”.
أم حمود امرأة أربعينية تعيش في قرية المشرفية بريف إدلب الشمالي، وهي أم لأربعة ذكور وثلاث إناث، وهي تعمل بشكل شبه يومي في بستانها البالغة مساحته عشرة دونمات والواقع على ضفة نهر العاصي على الحدود مع تركيا، بالرغم من تراجع الزراعة في ظل الحرب الدائرة في البلاد منذ ثماني سنوات.
ويسقي المزارعون في هذه المنطقة بساتينهم من نهر العاصي عبر تنصيب محركات (موتورات) على النهر تعمل على المازوت وتضخ الماء إلى البساتين بواسطة خراطيم مصنوعة من البلاستيك أو النايلون يتراوح قياس فتحاتها بين ثلاثة وستة إنشات.
وتشتهر بساتين العاصي في هذه المنطقة بزراعة الرمان والجوز والدراق والخوخ، وبالإضافة إلى ذلك يزرعون عدة أنواع من الخضار في موسمي الصيف والشتاء.
وتقول أم حمود: “كنا قد زرعنا هذا الصيف باذنجاناً وفليفلة وقرعاً، وأعددنا مما زرعنا مونة المكدوس والفليفلة المطحونة ومخلل ودبس الفليفلة ومقدد الباذنجان، وبعنا ما زاد عن حاجتنا في السوق، والآن نزرع للشتاء ملفوفاً وفولاً وسلقاً وفجلاً وثوماً وبصلاً، سنأكل بعضها ونبيع ما يزيد عن حاجتنا في السوق”.
وتشكو أم حمود تراجع مدخول البستان في السنوات الأخيرة، وتقدر أنه كان يدر على الأسرة ما يزيد عن ثلاثة آلاف دولار في السنة قبل سنوات الثورة، أما الآن فعلى الأكثر يدر ألفاً وخمسمئة دولار.
وترد أم حمود تراجع مدخول البستان وتراجع الزراعة في إدلب بشكل عام إلى تدني سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار (من 50 ليرة سورية للدولار الواحد إلى نحو 640 ليرة سورية) وارتفاع أسعار المحروقات والأسمدة والبذار والمبيدات الحشرية وضعف وقلة الأسواق.
ويوضح زوجها أبو حمود (50 عاماً) قائلاً: “في السابق كنا نشتري لتر المازوت بعشرين ليرة ونبيع كيلو الرمان في السوق بما يقارب ذلك، أما اليوم فنشتري لتر المازوت بـ 300 ليرة ونبيع كيلو الرمان بأقل من ذلك بكثير وبالكاد يتجاوز سعر الكيلوغرام الواحد مئة ليرة، وما ينطبق على الرمان ينطبق على الباذنجان وغيره”.
ويعتبر أبو حمود تراجع الأسواق سبباً مهماً في تراجع الزراعة في إدلب ويوضح قائلاً: “في السابق كانت محصولاتنا تصل إلى حلب ودمشق وغيرهما من المدن الكبيرة، أما اليوم فهي محصورة ضمن محافظة إدلب ونعاني في إيصالها إلى حلب أو غيرها بسبب ارتفاع تكاليف النقل وفرض ضرائب ورسوم من الحواجز العسكرية التي تملأ الطرقات سواء في مناطق الثوار أو مناطق النظام”.
يصمت أبو حمود ثم يتابع: “الحرب دمرت الزراعة -بل دمرت كل شيء- وأجبرت كثيراً من المزارعين على هجر بساتينهم وحقولهم والذهاب إلى العمل في تركيا أو لبنان، لم يعد بإمكاننا الاعتماد على زراعة أرضنا لنوفر ما يلزمنا من دخل، بل لا بد من البحث عن فرص عمل أخرى، أعمل حالياً أنا والأولاد في قلع السوس بالإضافة إلى عملنا في أرضنا”.
ويقدر أبو حمود عمل زوجته في الأرض ويقول: “كل الأسرة تحترمها، هي أشغل فرد في الأسرة، تركش التراب، تشلع الأعشاب الضارة، تزرع، تسقي، تفرش السماد، تنظف البستان، تجني الثمار، تقلم الأشجار، تجمع الحطب، لولاها متنا من الجوع”.
أم حمود تطالب المنظمات العاملة في المنطقة بدعم الزراعة ومساعدة المزارعين والعمل على توفير المازوت بأسعار مناسبة وتقول إن “كثيراً من أشجار المنطقة تيبس سنوياً بسبب العطش الناجم عن ارتفاع سعر المازوت، ولو أن المازوت توفر بأسعار مقبولة لسقاها أصحابها وما يبست، فالماء متوفر، نحن على نهر، ولكن المازوت باهظ الثمن”.
وتشكو أم حمود من آلام في الرأس والظهر تنتابها من حين لآخر وتقول: “أوجعتني الأرض، لكني سأواصل لأن الحياة لا معنى لها دون عمل”.
ويبدي حمود (25 عاماً) احترامه لأمه ويقول: “هي ربة المنزل وربة البستان، تقدس العمل، ونحن نثق ونفتخر بها ولا يمكننا الاستغناء عن عملها، وفي الحقيقة أنا أحزن جداً عندما أرى العرق يسيل من جبين أمي”.
وبالنسبة لفاطمة (38 عاماً) -وهي جارة أم حمود- فإن أم حمود هي “امرأة بألف رجل، كادحة، ذكية، اجتماعية، نشيطة، تحسن التدبير، تساعد الجيران”.
أم حمود تنتقد النساء اللواتي يقبلن الحياة في المنازل دون عمل في الأرض أو غيرها وترفض أن تكون المرأة أدنى منزلة من الرجل أو عالة على المجتمع، وهي تدعو نساء سوريا إلى العمل من أجل التغلب على الظروف الصعبة.
وتكره أم حمود الحرب وتتطلع إلى السلام وتحلم بسوريا “حرة آمنة لكل السوريين” وتدعو إلى التسامح والعيش المشترك وتقول: “تعبنا كثيراً وتعبت سوريا، أوقفوا الحرب”.
هزاع الهزاع – إدلب