لم يعد قلبي يتحمل فقدان المزيد من الأحبة
أمل الأحمد
في هذا المنزل الصغير الذي كنا قد بنيناه منذ أكثر من عشرين سنة، رزقني الله بسبعة أولاد وبنتين، على الرغم من صغر المنزل إلا أننا عشنا فيه سعداء لوجودنا جميعنا بداخله ولم يفرقنا مكروه قط، كبُر الأولاد وأصبحوا شباناً وزوجت الثلاثة الكبار، ورزقهم الله أطفالاً ملؤوا المنزل بهجةً وسعادةً.
مع اندلاع الثورة كان أولادي من أوائل المشاركين في المظاهرات ضد نظام الأسد وقمعه للشعب المطالب بالحرية والكرامة، كان المتظاهرون في كل يوم جمعة يقفون بأعداد كبيرة في الساحات منادين ومطالبين بحقوقهم، لكن هذا الأمر لم يروق للنظام، فقام بنشر جيشه وعناصره في المدن والبلدات، ودخل حينها الجيش الى بلدتنا، لم يعد بإمكان أولادي البقاء في المنزل خوفاً من اعتقالهم، فهربوا الى الأحراش وعاشوا هناك مدة من الزمن، كانوا يأتون خفية إلى المنزل حتى لا يراهم أحد.
وفي أحد الأيام بتاريخ 6ـ4ـ2012 وبعد صلاة الفجر سمعت صوت الدبابات متجهة نحو الأحراش، كانت تلك اللحظات صعبة للغاية فأولادي هناك ولا أعلم ماذا سيحل بهم، كانت أصوات الرصاص كثيفة ولا أستطيع فعل أي شيء سوى الدعاء لهم، وبعد حوالي الساعتين عادت عناصر الجيش إلى حواجزهم تاركين ورائهم مجزرة بحق شبان البلدة، بدأ الناس يركضون باتجاه الحرش وكنت من بينهم أركض وعندما وصلت إلى هناك لم أجد أولادي، أخبروني بأنه تم أخذ الشباب الذين استشهدوا إلى المسجد الكبير المتواجد في البلدة، في تلك اللحظة لم أعد قادرة على متابعة المشي، قام أحد الشبان باصطحابي معه في سيارته إلى المسجد وعندما وصلت كان الشهداء ممددين على الأرض والدماء تملؤ أجسادهم الطاهرة، ستة شهداء كان أبني الكبير عبد الرحمن من بينهم..
احتضنته وبكيت حتى غسلت دموعي جسده الطاهر، كانت تلك اللحظات من أصعب لحظات عمري، فقد كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي، خرجت جنازة لستة شهداء من خيرة شباب البلدة.
بعد ثلاثة أشهر على رحيل ولدي قررت زوجته النزوح مع أهلها إلى المخيمات على الحدود، فالأوضاع تزداد سوءاً والقصف لا يهدأ أبداً، كان فراق أحفادي صعب للغاية، ودعتهم والألم يعتصر قلبي، فهم من كان يواسيني بعد فراق ولدي.
وبعد فترة قرر ولدي الأصغر “محمد” الانضمام إلى “داعش” حاولنا منعه مراراً وتكراراً، لكنه كان مصراً على ذلك، ولم يستجب لكلامنا، ذهب ولم يكترث، وانقطعت أخباره عنا، وكل ما أتمناه الآن عودته إلينا فلم يعد قلبي قادر على تحمل المزيد.