حورية تجمع جذور السوس لتعيل نفسها
في يوم شتوي ماطر اجتمعت أسرة أبي علي في غرفة صغيرة حول مدفئة الحطب الموقدة لتحدثنا حورية (45 عاماً) عن عملها في جني السوس قائلة: “ينبت السوس بمفرده، وفي الصيف تقلع هذه النبتة من الأرض بواسطة جرار الحراثة الذي يحرث الأرض بعد أخذ إذن صاحبها وموافقته على دخول أرضه، ثم نقوم بتجميع نبتة السوس خلف الجرار وتقليم الأوراق ورميها حيث لا حاجة لها، ونجمع الجذور فقط في أكياس كبيرة ونربطها على جنب، ثم ننقلها إلى المنزل”.
وحورية هي امرأة عزباء لم تتزوج بعد تعيش مع أسرة أخيها أبي علي في المنزل نفسه في قرية البلاط الواقعة في ريف إدلب الشمالي والخاضعة لسيطرة الفصائل الثورية، وتعمل في عدة أعمال زراعية ومنها حني السوس من أجل أن تعيل نفسها.
والسوس هو نبات بري معمر ينتشر في حقول ريف إدلب الشمالي ويطلق على جذوره عرقسوس ويستخرج منها شراب سكري المذاق محبوب لكثير من الأهالي ومطلوب بشكل كبير وخاصة في شهر رمضان.
وأسرة أبي علي هي أسرة متوسطة الحال تعمل في جني جذور السوس بالإضافة لامتلاكها قطعة أرض يزرعونها في الصيف باذنجاناً وبندورة وفليفلة وغيرها، وفي الشتاء بصلاً وفولاً ورشاداً وبقدونساً وسلقاً وسبانغ وغيرها.
وتقول حورية: “في كل صباح نخرج أنا وأم علي وإحدى بناتها وولدها محمد الذي يقود الجرار لاقتلاع نبتة السوس، نعمل من الساعة السابعة حتى العاشرة صباحاً ونجمع جذور السوس، ونعود عند اشتداد حرارة الشمس للمنزل، ونعاود الذهاب للعمل ثانية عند الساعة الرابعة عصراً حتى حلول المساء خلال شهرين من السنة، هما آب وأيلول، ونقوم بتقطيع الجذور إلى أعواد بواسطة مقص الشحالة وربطها كحزم صغيرة حتى ننهي الكمية كلها”.
والعمل في السوس متعب وشاق، وتعاني أسرة أبي علي من كثرة أعطال الجرار وصعوبة التنفس بسبب كثرة الغبار، وتشرح ذلك حورية وتقسم: “والله ما منرجع ع البيت إلا انهدت أجسامنا من التعب”.
وتحتاج نبتة السوس لأكثر من عشر سنوات لكي تنمو وتصبح جاهزة للاستهلاك من جديد، وبسبب الأوضاع الصعبة في إدلب وقلة فرص العمل اتجه كثير من الناس إلى العمل في قلع جذور السوس، وتقول حورية: “كان السوس من عدة أعوام ينبت بكثافة في الحقول، أما الآن فهو نادر وقليل، ويعود ذلك لكثرة حراثة الحقول”.
كما تعاني أسرة أبي علي من صعوبة تسويق ما تجنيه من جذور السوس في ظل الحرب الدائرة في سوريا منذ ثماني سنوات وانقطاع كثير من الطرق وتقطيع سوريا إلى أجزاء منعزلة عن بعضها، وتقول حورية:
“كان أخي أبو علي يأخذ السوس بعد تجهيزه إلى السوق وبيعه للتجار ضمن المدينة، فهي نبتة مطلوبة بشكل كبير، فسابقاً كانت تأتي سيارات تقوم بجمعه وأخذه إلى محافظة الرقة، حيث توجد هناك طواحين خاصة به، أما الآن فقد أصبح له طاحونة في إدلب تقوم بطحنه وشحنه ضمن قاطرات إلى أماكن طلبه”.
وتشكو حورية قلة سعر جذور السوس هذا العام موضحة: “ثمن الكيلوغرام الواحد لا يتجاوز مئة وخمسين ليرة سورية، وكل ما جنيناه من موسم جمع السوس هذا العام هو مئتا ألف ليرة سورية فقط”.
كما تشكو حورية تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار قائلة: “تعبنا يذهب خسارة لأننا نبيع السوس والخضروات بالليرة السورية، وكل ما نجنيه لا يعادل ارتفاع الدولار الذي بلغ حالياً ٨٥٠ ليرة سورية لكل دولار واحد، وجميع الحاجيات ومستلزمات المنزل يرتفع سعرها مع ارتفاع الدولار”.
وتضيف بحسرة: “والله حرام! أشو هالفلاح بدو يطالع ولا كيف بدو يعيش بكرامة إذا كل تعبو صار كسور مقابل ارتفاع الدولار وسعر المحروقات؟!”.
وهو ما يؤكده محمد مضيفاً: “ما نجنيه من السوس لم يعد يكفي لإصلاح الجرار وثمن المازوت، من أجل ذلك أنا سأذهب إلى تركيا وأبحث عن عمل”.
لتدخل أم علي بصينية عليها كؤوس من الشاي الساخن وتقوم بتقديمها وتشاركنا الحديث مؤكدة ما قاله ابنها محمد وشاكية ارتفاع سعر المحروقات والأسمدة والبذار والمبيدات الحشرية الذي كان له تأثير سلبي على مدخول الأرض هذا العام، وتوضح ذلك قائلة:
“محصول الأرض تراجع بشكل كبير لعدم القدرة على سقي الأرض، فقد زرعنا هذا العام باذنجاناً وفليفلة وبندورة، وأعددنا مما زرعنا مؤونة المنزل، وقمنا ببيع ما زاد عن حاجتنا، فسعر لتر المازوت بلغ ٣٠٠ ليرة في فصل الصيف أما الآن تعدى ١٠٠٠ ليرة سورية”.
وتقدر أم علي عمل حورية ومساعدتها لهم في المصروف قائلة: “نحن مثل الأخوات لا نستطيع الاستغناء عن بعضنا، وأولادي أولادها، هي امرأة نشيطة ومجدة”.
ليعم الهدوء الغرفة ويقطعه طرق باب المنزل ودخول الحاجة أم حمادي (65 عاماً) والتي تشاركنا الحديث وتقول: “أنا من أربع سنوات اشتغلت في السوس، لكن بالآجار، الساعة بمئة ليرة، كنت أقص وأعمل حزماً صغيرة، كنت اشتغل في اليوم من تسعين حتى مئة كيلوغرام، لكني الآن لم أعد قادرة على العمل، كبرنا وجسمنا ما عاد يتحمل تعباً”.
وتتفاعل حورية مع حديث أم حمادي وتقول: “اشتغلنا في كل شيء، زرعنا وحصدنا وجمعنا سوساً وقطفنا زيتوناً، ومن موسم إلى موسم حتى نعيش بكرامة، أتمنى أن نعيش بأمان وأن تتوقف هذه الحرب التي اتعبتنا كثيراً”.
بقلم تغريد