فاطمة جعلت من غرفة واحدة مسكناً ودكاناً لبيع الأواني المنزلية
بقلم: محمد مسلم العبيدو
منزل مؤلف من أربع غرف، يسكنه أقرباء نازحون، في كل غرفة تسكن أسرة، ويوجد داخل إحدى هذه الغرف بلور من مختلف الأشكال والأنواع، كؤوس شراب وزوارق وبعض أنواع الميلامين من صحون وغيرها وبطانيات وحرامات، وتجلس إلى جانب هذه البضائع ثلاث نساء ويبدو على واحدة منهن أنها تقوم بشراء طقم بلور شراب، بينما امرأة أخرى تريد شراء طقم من فناجين القهوة، أما الثالثة فهي امرأة في عقدها الثالث تبيع النساء، وبعد أن انتهت من بيع الزبونات خرجن وهن يشكرنها على لطفها وحسن معاملتها الجيدة.
فاطمة السليمان وتكنى بأم مصطفى جعلت من غرفة واحدة مسكناً ودكاناً لبيع الأواني المنزلية، وهي متزوجة منذ ست سنوات ولديها ثلاثة أولاد (بنتان وصبي واحد).
وفاطمة هي نازحة منذ منتصف عام ٢٠١٩ من بلدة حاس في ريف إدلب الجنوبي إلى مدينة كفرتخاريم في ريف إدلب الشمالي بسبب حملة روسيا وحليفها بشار الأسد على محافظة إدلب والتي أدت إلى تهجير أكثر من نصف مليون إنسان إلى أماكن أخرى، وخاصة إلى ريف إدلب الشمالي.
وتصف فاطمة حالتها بعد أن نزحت إلى بلدة كفرتخاريم قائلة: “بعد أن نزحت إلى هنا وأصبح وضعنا المادي سيئاً لدرجة كبيرة قررت أن أقوم بشراء أدوات منزلية مستعملة وبيعها في الغرفة نفسها التي أسكنها، أرى زوجي دائماً مهموماً والحزن على وجهه دون أن يفعل شيئاً، لا توجد فرص عمل، أريد أن أساعده”.
وتضيف: “تجارة المستعمل رائجة هذه الأيام لأن الجديد غالٍ وخاصة بعد ارتفاع سعر الدولار، حيث تجاوز الدولار الواحد عتبة الألف ليرة سورية، لذلك تلقيت إقبالاً من النساء على الشراء”.
وتوضح: “الحملة التي قامت بها قوات الأسد المدعومة من قبل روسيا أدت إلى تهجير مئات الآلاف من المدنيين إلى الريف الشمالي، فمنهم من استطاع إخراج أثاث منزلهم والبعض الآخر لم يستطع إخراج شيء، فقد خرجوا بثيابهم هاربين من الموت تاركين خلفهم منازلهم وأرزاقهم”.
وتتذكر فاطمة حياتها في بلدتها حاس قبل النزوح والحزن يبدو على وجهها وتقول: “عندما كنا في البلدة كانت حياتنا جميلة هادئة لا ينقصنا شيء، ضحكات الأطفال لا تفارق المنزل، كان لدينا دكان يوجد فيه كل ما يحتاجه المنزل من سكر ورز وسمن وزيت دوار الشمس وشاي وغير ذلك، ولكن بعد القصف التي تعرضت له البلدة اضطررت لبيع جميع المواد المتواجدة في الدكان والنزوح”.
بعد أن كان لدى أم مصطفى دكانها الخاص لبيع البضائع اضطرت أن تجعل من غرفتها الوحيدة منزلاً ودكاناً في الوقت نفسه من أجل تحسين وضعها المعيشي في ظل هذه الأوضاع الصعبة التي تشهدها إدلب، كما اضطرت لبيع قطعة ذهبية كانت تقتنيها وتشرح ذلك قائلة:
“منذ سنة ونصف قامت منظمة شفق بالإعلان عن دورة من أجل تقديم فرص عمل في الزراعة، قدمت عليها، وبعد خضوعي للدورة تم قبولي لعقد كانت مدته ثلاثة أشهر، كنت أتقاضى ٢٥٠ دولاراً في الشهر، استطعت شراء قطعة ذهبية، ولكن بعد نزوحي إلى هنا اضطررت لبيعها من أجل سد حاجاتنا”.
قطع حديثنا دخول فتاة في العشرين من عمرها تحمل بيدها صحناً من التين لضيافتنا ثم تشاركنا الحديث قائلة: “فاطمة هي امرأة عظيمة وأنا احترمها، هي سلفتي، أنا أعتبرها بمثابة أختي الكبيرة، أتمنى لها حياة سعيدة مع عائلتها”.
وبينما كنا نأكل التين دخلت امرأة لتشتري بعض الأواني وشاركتنا الحديث قائلة: “نزحت في شهر تشرين الأول لعام ٢٠١٩ بعد أن تعرض منزلنا لغارة جوية من قبل الطيران الروسي أدت إلى دمار معظم المنزل، فلم نتمكن من إخراج سوى قسم صغير من أثاث المنزل، والحمد لله كانت إصاباتنا خفيفة، وهنا تعرفت على فاطمة وأشتري ما ينقصني من عندها، فأسعار القطع الجديدة غالية وليست لدي قدرة على شرائها، ووجود فاطمة خفف علي الكثير، فهي تبيع بأسعار مناسبة لوضعي”.
ثم دخل طفل أسمر نحيف الوجه قائلاً: “ماما أنا جوعان، أريد أن تصنعي لنا طعاماً”، لتجيبه فاطمة: “تكرم عيونك حبيبي، ساعة إن شاء الله ويكون الغداء جاهزاً”.
ثم قطعت حديثنا امرأة أخرى تريد شراء حرام وشاركتنا الحديث قائلة: “أنا أشتري من عند فاطمة ليس بدافع النقص لدي وإنما لمساعدتها، لأنني أرى حالتهم وكم هم بحاجة للمال لسد احتياجاتهم، وخاصة مع هذا البرد القارس، فهم بحاجة للمال لشراء الحطب للتدفئة”، لتجيبها فاطمة: “جزاك الله خيراً فقليل من الناس من يقوم بهذا العمل الطيب”.
ثم دخل رجل طويل القامة عرفنا عن نفسه بأنه زوج فاطمة ووصف زوجته بأنها: “امرأة نشيطة مجدة في العمل، تقف بجانبي في كل الأوقات الصعبة، هي تخفف عني همومي وتساندني بمصروف المنزل، حتى أنها قامت ببيع آخر قطعة ذهبية كانت قد اشترتها، أنا أحترمها وأقدر مساعدتها لي”.
وختمت فاطمة لقاءنا معها قائلة: “الحياة صعبة وعلينا مواجهتها لنكون أقوى منها، ويجب أن تكون كل امرأة قوية أمام الصعوبات التي تقف في دربها، وأسأل الله الفرج القريب لسوريا والعودة إلى بلدتنا سالمين”.