استشهادُ ولدي أفقدني سعادتي وكسرَ ظهري
عمري خمسون عاماً متزوجَّةٌ ولديَّ خمسةُ أولاد وأربع بنات، تزوجَّوا جميعهم إلّا “إياد” البالغ من العمر 18 عاما.
كنتُ سعيدةً برؤية أولادي وأحفادي حولي رغم الظروف القاسية الَّتي نمرُّ بها خلال الثورة السُّورية، ورغم أنَّ منزلنا قُصِفَ من قبل الطيران الحربي لكن لم أرضخ للواقع الأليم.
مضت الأيَّام وأنا أعتقد أنَّ “إياد” لا يفكَّرُ سوى بإكمال دراسته، لكن فوجئت بأن تفكيره أصبح بالثورة، إياد الذي كان في معظم الوقت يتشاجر مع أولاد إخوته، ولا يتفق معهم رغم فرق السن بينهم، والذي كان همَّه الوحيد أناقته ودراجته النارية ونظارته وساعة يده، والذي لا يفكر سوى بالعيش على راحته، بدأ يغير تفكيره، وأصبح يجمع أولاد إخوته من حوله ويلاعبهم ويحدثهم عن الشهادة والجنة والجهاد، ويسأل إخوته عن رأيهم في انضمامه للثورة، والالتحاق بإحدى المجموعات، ونحنُ نستمع لحديثه دون أي اعتراض.
وفي أحد الأيّام خرج “إيَّاد” من المنزل استغربتُ من غيابه طوال اليوم وبعد أن سألت عنه عرفتُ حينها أنَّه التحق بإحدى المجموعات وبعد مضي يومين عاد إياد ودخل المنزل، قمت بسؤاله ومحاولة إقناعه بعدم الذهاب، لكن لم يقتنع وأخبرني أنه يريد الجهاد ونيل الشهادة، فارتبكتُ وشعرتُ أن شيئاً ما يخنقني والدموع تملأ أحداقي وهو يذهب أمام عيني، ولم أستطع إيقافه، خرج وعاود الدخول، نظر إلي وقال:” لن أذهب لقد تركت المجموعة لا تخافي”، وذهب إلى أبيه ودَّعهُ وذهب دون أن نعرفَ أين وجهته.
وبعد مضي يومين على غيابه، جاءني خبر استشهاده، ودخل إياد محملاً على الأكتاف عريس الشهادة التي طلبها ونالها بعد خمسة أيام من التحاقه بالثورة، كُسِرَ ظهري بهذا النبأ الذي أخذ مني سعادتي، وحرق قلبي على فراقه، جلست بجواره وهو على نعشه أمسح بدمائه التي تفوح منها رائحة المسك على وجهي، وعيوني لا تشبع النظر لوجهه علَّ نار قلبي الَّتي اشتعلت بداخلي تخمدُ وتنطفئ، فقد كسر ظهري موته الذي أخذ مني سعادتي، وحرق قلبي فراقه.
(تغريد العبد الله)