بعد فقدان الأحبة تصبح الحياة بلا معنى
وفاء المحمد (كفرنبل-ادلب)
بعد زواجي رزقني الله بخمسة أولاد ما بين صبيان وبنات، عشنا في مدينة دمشق حيث يعمل زوجي، كَبُر الأولاد وبدؤوا العمل ليبنوا أنفسهم ويساعدوا والدهم في مصروف المنزل، كانت حياتنا هادئة تسودها السعادة والمحبة، حتى اندلعت الثورة في بلادي والتحق ولدي الأصغر بصفوف الثوار ليقاتل في صفوفهم ضد قوات الأسد الظالم.
عمل زوجي على مساعدة الثوار وقضاء حوائجهم، فكان يشتري لهم الخبز من ماله الخاص ويأخذه إليهم بالخفاء بعيداً عن أعين الناس وجنود النظام التي ملأت الشوارع والأزقة.
وفي صباح أحد الأيام خرج زوجي لشراء بعض الحاجيات للمنزل وتأخر كثيراً وحل المساء ولم يعد، حتى وصلنا خبر اعتقاله من قبل جنود النظام من أمام الفرن أثناء شرائه للخبز، خفت عليه كثيراً وطلبت من ولدي ألا يذهب للقتال مرةً أخرى خوفاً أن أفقده كما فقدت والده ولكنه لم يأبه لكلامي وقال لي:” يا أمي لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”.
كان ولدي دائم الذهاب للجبهة لقتال جنود الأسد، وقد تسبب لي ذلك بحزن شديد فكانت دموعي لا تفارق عيوني، الخوف يملأ قلبي عليه من أي مكروه قد يصيبه، وكنت دوماً أدعو الله أن يسلمه لي من كل مكروه.
خرج في أحد الأيام مع رفاقه الى الرباط على الجبهة، خفت عليه في ذلك اليوم كثيراً، ليس ككل مرة يذهب فيها، حاولت إخفاء هذا الهاجس والشعور الغريب دون جدوى، وعند الظهيرة طُرق باب المنزل وإذ برفاق ولدي يحملونه إليّ والدماء تغطي جسده، فقد تمكن جنود الأسد من محاصرتهم وكادوا يقتلونهم جميعاً، وبقي في فراشه ما يقارب الشهرين، وعندما تماثل للشفاء قرر العودة لمشاركة رفاقه بقتال نظام الاجرام.
حاولت منعه مراراً وتكراراً ولكن دون جدوى، ودعني وأوصاني أن أدعو له الله أن يحميه ومضى، لم أستطع النوم فقد كنت خائفةً عليه كثيراً، لم يمض كثيراً على غيابه حتى وصلنا خبر استشهاده، لقد غابت تلك الابتسامة التي ملأت أركان المنزل فرحاً وحباً، كنت أشعر بسعادة غامرة عندما يطل عليَّ بابتسامته اللطيفة.
وبعد فترة قصيرة قرر أخاه الأوسط الالتحاق بصفوف الثوار لينتقم من هذا النظام المجرم، حاولت منعه بكافة الوسائل ورجوته ألاّ يذهب يكفيني أني فجعت بأبيه وأخيه فلا أريد أن أفجع به هو أيضاً، ولكنه قال لي: “يا أمي إذا لم أذهب أنا وأمثالي للدفاع عن أهلنا وتحرير بلادنا من هذا الظلم، من سوف يذهب؟”، شارك في المعارك ضد النظام كنت دائمة الخوف عليه فقلبي لا يحتمل مزيداً من المصائب، وفي إحدى المعارك أصيب ولدي وبترت يده، عندها لم أعد أستطيع العيش في دمشق فقررت العودة إلى مدينتي كفرنبل.
كنت أريد الابتعاد عن هذا المكان الذي لم أجد فيه إلا المصائب والقهر والعذاب، عدت إلى مدينتي واصطحبت معي بناتي فولدي الكبير قد سبقنا إليها.
وبعد عناء طويل وبمساعدة الثوار تمكن ولدي من الخروج من دمشق والوصول إلينا بالسلامة، لم أستطع نسيان أحزاني لأني ودعت فلذَة كبدي تحت الثرى بعيداً عني وتركت والده في سجون النظام الظالم، ولا يسعني إلاّ أن أدعو الله أن يفرج عني وعن كل نساء سوريا، والشعب السوري المظلوم، وأن يفرح قلوبنا بتحرير بلدنا من هذه العصابة المحتلة.