فراقهم يزيدُ من عذابي بعد رحيل ولدي
“أمُّ محمد” أبلغُ من العمر خمسين عاماً، من مدينة طيبة الإمام بريف حماة الشمالي، متزوجةٌ ولدي ثمانية أولاد، كنتُ أعيشُ حياةً هادئةً مع زوجي وأولادي، حياةٌ خاليةٌ من الحزن والهموم، وكنَّا نملكُ أرضاً زراعيَّةً نقومُ كلَّ سنةٍ بزراعتها والاعتناء بها كي نؤمن احتياجاتنا في الحياة.
وبعد قيام الثورة في سوريا، بدأ أولادي في المشاركة في المظاهرات المطالبة بالحريَّة وإسقاط النظام، ومن ثمَّ تحولت الثورة إلى حراكٍ مسلح، وبدأ نظامُ الأسد بنشر قواته في جميع مدن وبلدات سوريا، حيث انتشروا في مدينتا أيضاً الأمر الذي دفعنا للنزوح منها إلى عدة مناطق حتى استقرينا في بلدة حاس بريف إدلب الجنوبي.
مكثنا أنا وأولادي في منزلٍ واحد، وبعد فترةٍ قصيرةٍ انضمَّ ولدي الكبير إلى أحد الفصائل المقاتلة وبدأ يخرجُ إلى المعارك ويشارك في الكثير منها، وفي أحد الأيام جلست معه وصار يحدثني عن الشهادة وثواب الشهيد وما ينال في الجنة وكأنَّه يقول لي أنني أريد أن أموت شهيد، وأثناء الحديث جاء أحد أصدقائه وطلب منه الذهاب للمشاركة في معركة بريف حماة، بدأت أنظرُ إليه وكأني ألقي عليه نظرة المودع.
لقد كان لديَّ شعورٌ أن ولدي لن يعود ولن أراه مرة ثانية، مضى ذلك اليوم حتى حلَّ المساء وهو موعد قدومه، لم تمضي ساعةٌ حتى أتى ولدي الأصغر وقال لي لا تحزني يا أمي فأنت مؤمنة، فقد علمت أن ولدي قد استشهد هو ومجموعةٌ من رفاقه.
وعندما أحضروه لي طلب مني والده ألا أبكي ولا أصرخ لأنَّه كان يريدُ أن ينال الشهادة وها هو الآن قد حصل عليها، ضممته إلى صدري والدموع تنهمر من عيوني ودعته وكأني أودع قلبي.
وبعد أن انتهت عدة زوجته قررت أن تذهب إلى تركيا حيث يتواجد أهلها وأخذت أولادها معها، كنت عندما أراهم بالقرب مني مني أرتاح بعض الشيء لأنهم من رائحته، ولكن فراقهم وبعدهم عني يزيدُ من قهري وعذابي فأنا ما عدتُ أملك في الدنيا بعد رحيل ولدي إلا أبنائه.