القصف فرَّقَ جمعنا ولم يدعْ لنا منزلا
أبلغُ منَ العمرِ خمسينَ عاماً، من مدينةِ كفرنبل، متزوجة لدي ولدان وأربعةُ بنات، كبروا وزوجتهم جميعهم، وسعادتي بوجودهم حولي لا توصف.
مع بدايةِ الثورةِ تغيرَت حياتُنا وأصبحت مهددةَ لندرةِ الأمان، بعدَ أن ْ دخلَ الجَّيشُ وتمركز بجوار منزلي، كانت الحياةُ مليئةً بالخوفِ، فلا نعرفُ في أي وقتٍ يطلقونَ النارَ على المنازلِ أو يداهموها، حتى عادتْ الراحةُ إلى أنفسنا في ذلك اليوم الذي طُرد الجيشُ من المدينةِ وتحررت، مع أن النظام لم يدعنا وشئننا، وبدأ بقصفِ المدينةِ بالطيرانِ الحربيِ والمروحيِ.
مضت عدةُ سنواتٍ والرُّعبُ يسودُ حياتَنا، كانَ الصبرُ هو السلاحُ الوحيدُ الذي حاربنا به طائراتِ النظام، وذاتَ يومٍ كأي يومٍ آخر لا صوتَ إلا للطائرةِ وصواريخها لم نكترثْ لأنَّنا قدْ اعتدنا على ذلك الصوتْ، لكن الطائرةَ في هذا اليوم أمعنتْ في استهدافِ منزلنا بصواريخها، ولم نكد نشعُرُ سوى بضغطِ الانفجارِ والغبارُ الذي عمَّ المكان، كانَ كلُّ ما في المنزل يتساقطُ فوق رؤوسناَ، عرفنا حينها أن الصواريخ سقطت وسط منازلنا، أصيبَ معظمُ أحفاديَ الصغارِ، طغى صوتُ سياراتِ الإسعافِ على مسامعي، أدركتُ حينها حجمَ المصيبةِ التي سقطت فوقَ رأسي.
لأمرَّ في أسوءِ لحظاتِ حياتي، عند رؤية أولادي وهم في حالةٍ سيئةٍ جداً، فولديَ الكبير أصيب أولاده، وكانت إصابتهم بسيطة، أما ابنته الكبيرة فقد هشمت الشظايا ساقها، كان الألمُ يعتصرُ قلبي حين أراها تعاني من آلامِ الكسورِ في ساقها المهشم، وولديِ كان يشعرُ بألمِ ابنته ويحترقُ قلبه كلما رأى حالها.
أما ولديَ الثاني أصيبَ طفليهِ بجروحٍ بسيطةٍ، ومنزلهُ الذي تدمَّرَ لم يبقى منهُ سوى المطبخ الذي جعله سكن له ولعائلته، كانت تلكَ اللحظات هيَ الأكثرُ معاناةً ليَ ولعائلتي، كانت تلك اللحظات بمثابةِ صدمةٍ أوصلتنا لهذه الحال التي نعيشها اليوم.