أمسيتُ امرأة عمياءً بعدَ انطفاء شموعِ حياتي
أنا أمُ محمد أبلغُ من العمرِ 56عاماً، ولدي من الأولاد خمسة، أربعةُ صبيةً وبنت، كان زوجي يعمل مزارعاً وأحوالنا شبه جيدة.
ومع اشتعال نارِ الثورة السوريةِ تغير مجرى حياتنا جميعاً، كنت متحمسةً جداً، وأطالبُ كما يطالب الكثيرون بإسقاط النظام الغاشم، ولكنني لم أكن أدري أني سأدفع ثمن هذه الكلمات غالياً.
طالت تلك الثورة، ووصلت أمواجها إلى ولديّ الاثنين، ومن بعدهما الثالث، فقد قررَ محمد ابني البكر أن يلتحقَ بالجيشِ الحرِ وينضمَ إلى جبهاتِ القتالِ، فقد أصبحَ غيرَ قادرٍ على الذهابِ إلى الجامعةِ آنذاك خشيةَ أن تعتقلهُ قواتُ النظامِ على أحد الحواجزِ، نعم أصبحَ يذهبُ مع أصدقائهِ للقتال، وكلما يذهب ينتابني القلق ولا أستطيع النوم حتى يعود.
وفي يوم من الأيام أصيب محمد بقدمه، وبقي غير قادر على المشي مدة خمسة أشهر، وبعد ذلك شفي من إصابته ولكنه قرر العودة ثانية إلى الجبهات رغم معارضتي أنا ووالده لذهابه، ولكنه كان مصر على قراره.
ذهب محمد في ذات اليوم الذي منعته به وأخبرني بأنهم سوف يذهب للجبهة للدفاع عن أرضه وعرضه، وطلب مني أن أدعو له.
كان موعد ذهابه ليلاً قبل يداي وذهب، وبدأت الدموع تنهمر من عيناي، وكأن قلبي يخبرني بأنه لن يعود مجدداً، كان تلك الليلة صعبة عليّ كثيراً ولن أنساها ما دمت حية، وما أن حل الفجر حتى أتى أحد أصدقائه وأخبرنا بأنه استشهد، رحل محمد ولن أستطيع أن أراه مرةً أخرى.
بعد بضعة أشهر قرر أولادي الاثنين الذهاب إلى جبهات القتال أيضاً، ولم يمر سوى بضعة أشهر حتى جاءني خبر بأن صاروخ قد رمته مروحية النظام على مقرهم واستشهد أحدهم والأخر أصيب في عاموده الفقري فانشلت حركته بالكامل.
نزل هذا الخبر على صدري كالصاعقة، تدمَّر كياني وتقطعت أوصالي بمجرد سماعي له، فقد اسودت الدنيا بوجهي بعد أن وجدت نفسي أفقد فلذات كبدي واحداً تلو الآخر، يا لهول مصيبتي.
أصبحت الآن أعيش بهذه كالتائه الذي فقد كل شيء جميل بحياته فقد أصبحت الحياة بلا معنى وبلا طعم وبلا لون إلاّ لون السواد وطعم المرارة.
اعتكفت في منزلي ولم أخرج إلاّ نادراً وجلست الساعات الطويلة وحيدةً باكيةً على حالتي بعد فراقِ أولادي، كنت كلما بكيت على فراقهم دعوت الله أن ينتقم من هذا النظام الغادر شر انتقام، وأن يصبرني على مصيبتي ويفرج عنا ما نحن فيه.
(أية عبد السلام)