أتمنى رؤية ولدي السجين قبل موتي
عمري واحدٌ وخمسون عاماً، تزوجت في سنٍ صغيرةٍ ورزقني الله بثلاثة صبيان وابنتين، والحمد لله كانوا من المتفوقينَ في دراستهم واستطاعوا نيل الشهادات الجامعية، لكن ولدي الصغير هو غصة العمر.
كان ولدي طالبً في سنواتهِ الجامعيةِ الأولى عند قيام الثورة السورية، وكانَ يخرجُ في مظاهرات البلدة أو في الجامعة، وذات مرة في المدينة الجامعية خرجت مظاهرة حاشدة وكان ولدي من أوائل المشاركين فيها، وإذا بالأمن يطوق المدينة الجامعية ويعتقل كل المشاركين في المظاهرة، إلاّ من استطاع الهروب وولدي كان من الشباب المعتقلين، وتم أخذهم إلى فرع الأمن الجوي.
بعد ذلك بذلنا قصار جهدنا لنستطيع فك أسره لكن مُحال، وبدأت قوات الأمن تأخذهم من فرع تعذيب إلى آخر، وفي النهاية تمَّ أخذهم إلى فرع الأمن الجوي في المزة، وكان هذا آخر خبر عرفناه عن ابني، مرت أربع سنوات، ولم نتمكن من معرفة مكانه أو ماذا حل به.
على إثر اعتقال ولدي وعذابنا للحصولِ على خبرٍ نبرِّدُ بهِ نار صدورنا، أصيب زوجي بنوبة دماغية جعلته طريح الفراش، بعد ذلك ازدادت حالته سوءاً حتى أصابه شللٌ نصفي وبات شبحاً مريضاً على فراشهِ.
كان منى قلبه أن يرى صغيره المدلل، حينها شعرت أن جميع نوافذ السعادة قد أغلقت في وجهي، فاعتقال ولدي وإصابة زوجي بهذا المرض كانتا صدمة كبيرة لي ولأولادي الأربعة.
وبعد مرض زوجي بفترة ليست بالكبيرة بدأت أشعر بالتعب النفسي، جسدي منهك جداً لا أعرف ما السبب، فظننت أن هذا التعب والانهاك من الحزن والألم اللذين أمر بهما.
عندما لاحظ أولادي أنّ حالتي الصحية تتراجع، طلبوا مني الذهاب إلى الطبيب علّه يعرف ما سبب هذا التعب والتغيير المفاجئ، وبعد أن أصروا على كثيراً ذهبت إلى الطبيب وقام بإجراء الفحوصات اللازمة التي تبين منها أن لدي ورم سرطاني يأكل جسدي رويداً رويداً…. أولادي صعقوا بالخبر.
فقد فقدوا والدهم الذي أصبح طريح الفراش لا يستطيع الحركة ولا الحديث حتى، وأخيهم الذي لا نعرف ما حل به وأمهم التي تكاد تفقد حياتها، وخصوصاً أنه لا يوجد في البلدة جرعات لتلقي العلاج لهذا المرض.
فلا أدري في أي لحظة أفارق الحياة وتبقى رؤيتي لذلك الشقي الصغير حسرة في قلبي، ولكن ماذا عسانا نفعل فهذا ما قدره الله علينا، وليس أمامنا سوى الدعاء أن يمن الله علينا وعلى هذه الأمة بالفرج وأن يفك أسر ولدي وأسر كل المعتقلين عند هؤلاء الطغاة.
(وفاء المحمد)