الحياة قاسية أجبرتني على تحمل المتاعب من الناس والمجتمع
أم محمد أبلغ من العمر ثمانية وأربعين عاما، هجرت من حينا “حي الفردوس” في مدينة حلب إلى الأراضي التركية، بعد أن تعرضت المدينة لقصف جوي ومدفعي عنيف من قبل قوات الأسد وحلفائه.
أعيش مع أسرتي في مدينة أنطاكيا التركية، وبعد مضي سبع سنوات على انتفاض الثورة السورية عانيت الأمرَّين، فلا زوج يعيل أسرتي ولا عمل ولا حياةٌ تستحق العيش فيها، نفقات كبيرة ومصاريف أكبر ونكسب مدخولاً ضعيفاً يتحمل جزءاً من المصاريف، فزوجي متوف منذ أمد بعيد، وترتبت على عاتقي تربية أطفالي وتحمل نفقتهم بمفردي، فلدي ثلاثة أولاد وابنتي الكبيرة التي تبلغ من العمر 25 عاما.
في بداية الأمر وعند وصولي للأراضي التركية، استقبلتني احدى اخواتي فهي هجرت أيضاً منذ الشهور الأولى للثورة، في فترتنا الأولى مكثنا في بيتها ريثما يجد أبنائي عملاً يستطيعون أن يستأجروا من نقوده بيتاً صغيراً نعيش فيه دون أن نثقلَ كاهل أحدٍ أو نزيد همه.
عملت انا وابنتي في حياكة الأحذية بشكل يدوي فنجلبها إلى المنزل ثم نحيكها ونتقاض ليرتان ونص لجوز الأحذية، أما ابني الصغير ابن الخمسة عشر عاماً عمل عتالاً في أسواق الخضرة لكن أجورنا كانت قليلة وشحيحة لدرجة اننا لم نستطع استئجار منزل يأوينا بها.
بعد عدة شهور من مكوثي مع عائلتي في بيت اختي بدأ زوجها يلسعنا بكلماته ويجرح أختي ويقول بانه لم يعد يستحمل أننا في بيته، ويقول أنا لست مجبوراً أن تمكثوا في بيتي، فكنت أخرج كل يوم من المنزل للحديقة المجاورة للمنزل أخفف حمل أختي من كلمات زوجها، حتى لا أكون السبب في احداث مشاكل بينهما، ثم أعود وأتابع عمل الحياكة مع ابنتي.
بقيت على هذه الحال عدة أشهر لم أكن مرتاحة البال، لعدم قدرتنا على استئجار منزل صغير، هنا لم يعد بوسعي سوى أن أبعث أحد أبنائي للهجرة عن طريق التهريب إلى ألمانيا بعد أن سمحت الحكومة الألمانية باستقبال اللاجئين السوريين، لعل ولدي يلم شملنا بعد وصوله ألمانيا، اضطررت للاستدانة من بعض معارفي كي أبعث ولدي، فأنا لا املك المبلغ الذي كان يتقاضاه المهرب من الأشخاص الذين سيخرجون عن طريق التهريب.
بعد أن وصل ولدي الحكومة الألمانية قررت اللجوء إلى المخيمات المجاورة للحدود التركية، فلا حيلة لي سوى هذا الحل، عندما وصلت المخيم كان الوضع مأساوياً، لم تكن الأرض مجهزة لإيواء أي نازح، كانت هناك خيم متفرقة وبعض “الكرفانات” التي تديرها منظمات دولية.
كنت محبطة جداً على الرغم أنه لم ليس لدي خيار أخر سوى العيش والرضا بما فيه، مررت بأصعب ظروف الحياة فقد وجدتها أشد من القصف والبقاء تحت براميل الأسد.
الأن أعيش في المخيم أنتظر ولدي أن يبعث لنا بالشمل وارتاح من هموم الدنيا ومشاكلها، فلم أعد قادرة على تحمل مصاعب الحياة.
(نور العمري)