امرأة عيونها ممزوجة بالحزن والدموع
أنا أم احمد أبلغ من العمر 27عاماً من مدينة كفرنبل، ترعرعت وتزوجت بها، ورزقني الله ثلاث بنات، وأقيم معهن ضمن منزل عربي بالحي الشمالي، ولقد كنت مقيمة في محافظة حلب ضمن شقة سكنية بالأجرة، وذلك بحكم عمل زوجي كونه موظفاً في معمل الفورميكة.
كنا ننعم بحياة مليئة بالسعادة والفرح ومع بداية الثورة السورية كنا نشاهد المظاهرات على التلفاز، وفي يوم وأثناء عودة زوجي من الوظيفة وهو غاضب أعلمني بأنه قد تم فصله من قبل الجهات الأمنية المسؤولة عن العمل إثر ملاسنة كلامية نشبت بينه وبين أحد الموظفين عندما اتهم أهلنا بمدينة كفرنبل بأنهم إرهابيين لأنهم يخرجون بالمظاهرات ويطالبون بالحرية وإسقاط نظام الأسد، فقرر زوجي العودة إلى مدينتنا بأسرع وقت خوفاً من الأفرع الأمنية، وأثناء عودتنا مررنا بالكثير من الحواجز الأسدية على الطرقات حتى تمكنا من الوصول إلى المدينة بسلام، كانت فرحتنا عارمة لمشاهدة أقاربنا.
هنا بدأت قصة معاناتي الحقيقية وانقلبت حياتي من سعادة إلى حزن كبير سببه كثرة الفقر الذي خيم علينا، وأيضاً من الخوف الذي ينتاب بناتي عندما تأتي الطائرة الغادرة وتلقي بصواريخها على المدينة دون التمييز بين صغير أو كبير، فكن بناتي يرتعشن من الخوف أثناء القصف الذي تتعرض له المدينة.
أقمت بغرفة صغيرة ضمن منزل أهل زوجي وقد وقع اختياري عليها لأنها لا تحتوي سوى نافذة واحدة، خوفاً من كسر زجاج النوافذ وتناثره علينا، من شدة القصف الهمجي أصبح زوجي يشارك بالمظاهرات السلمية الهاتفة للحرية وإسقاط النظام مع ذلك كان يبحث عن عمل في محلات نجارة الأخشاب ولكن دون جدوى لم يجد بسبب الأوضاع التي كانت تمر بها البلاد.
أصبحت عيوننا مليئة وممزوجة بالدمع والحزن الذي ألم بنا وما وصلت إليه حالنا، وبعد فترة أخبرني زوجي بأنه التحق بأحد الفصائل الثورية وسوف يقوم بمشاركتهم بإزالة الحواجز الأسدية.
وفي كل مرة كان يذهب بها مع رفاقه في الجيش الحر، كنا ننتظر عودته سالماً ونقف عند النوافذ والأبواب لرؤيته، وفي أحد الأيام ودعنا وداعاً مميزاً أثار قلقي، وبعد يومين من ذهابه جاء الخبر الذي هزني وصدمني كثيراً، وهو استشهاد زوجي بالمعركة، كان الموقف مؤلم جداً بالنسبة لي ولبناتي، وصار له جنازة شبيهة بالعرس.
وودعته وقلت له هنيئاً لك يا زوجي ولكن بعد الآن من الذي سوف انتظره أنا وبناتي ومن سوف يعتني بي وببناتي الصغيرات، اللواتي لم يكففن بالسؤال عنه: “إلى أين ذهب أبانا”؟، فكنت أتمالك نفسي أمامهن وأقول لهن ذهب إلى الجنة.
وبعد مرور أشهر العدة بدأت العلاقة بيني وبين أهل زوجي تخيم عليها المعاملة المختلفة وعدم رغبتهم بي، وكان الفقر أحد أسبابها، عندها عزمت أن أقوم بإعلام أهلي بما يجري معي، فقرروا بالاتفاق مع الأقرباء ببناء بيت عربي صغير أقيم فيه مع بناتي وتم ذلك بعد فترة من الزمن وصرت استلم بعض المساعدات من أهل الخير تكاد تسد حاجاتي الأولية.
وبعد فترة من الزمن تحسنت العلاقة مع أهل زوجي، كوني لم أرض بالزواج من أي أحد، وعزمت على تربية بنات الشهيد التربية الصالحة، وأدعو الله ينصرنا لتحقيق أمنية زوجي والأهالي وهي الحرية وإسقاط النظام.
(صبحية البيوش)