أيّ ذنبٍ ارتكبت؟
عندما يصبحُ جلّ أماني الإنسان أن يصبح أصمَّاً كيلا يسمع شيئاً ممن هم حوله، تكونُ قمة القهر والانكسار.
هذا هو حالُ المعتقلات السوريات اللواتي نجين من سجون آل الأسد، فالمعتقلة المفرج عنها تصبحُ أُمنيتُها الوحيدة أن ينسى المجتمع وضعها السابق، ولكن الطلاق والإقصاء من دائرتها المقربة يصبح أقسى من عذابها وأنينها وما تعرضت له داخل زنازين مؤصدة بجلافة سجان.
أم أحمد مثلها كمثل الكثيرات من النساء السوريات، تروي معاناتها بعد أن صارت حرةً ونجتْ من جحيم السجون والقضبان.
“قبل أن أصف حياتي بعد الإفراج عني، السجنُ هو أقسى أنواع العذاب للإنسان الذي كرمه الله، وقد تسبب لي الاعتقال بجلطة دماغية وفقدان نسبي في البصر، أما بعد أن صرتُ حرةً كنتُ أشعرُ بأنني غريبةٌ رغم أني بين أهلي، هذا الشعورُ كان ينتابني أو يغتالني من خلال نظرات الأهالي لي، إضافةً للعبارات التي كنت أسمعها، عباراتٌ كانت أقسى من سياط الجلاد، أبسط ما سمعتُ من الناس” لماذا خرجَت من المعتقل لماذا لم تمُت هناك”.
على عكس ما كنت تتوقع أم أحمد، ربما كانت تظنُّ أن المجتمع سوف يستقبلها بحفاوة ويقف بجانبها ويمدُّ لها يد العون.
غصّةٌ عميقةٌ وجرحٌ كبيرٌ أغلق كل نافذة أمل كانت مفتوحة في مخيلة أم أحمد، تلك المرأة المسكينة التي أجبرتها الأيامُ على دخول سجون نظام الأسد.
“تسببت نظرة المجتمع لي بأني أصبحت أفكر بالانتحار وقد حاولت ذلك مرات عدة، ففي المرة الأولى حاولت قطع وريد يدي، حتى أنجو من هذا المجتمع ومعاملته الدونية لي، ومرة أخرى تناولت كمية كبيرة من الدواء علنيّ أرتاح من هذه المعاناة، فتسممت وأدخلوني إلى المشفى”.
“وما حزَّ ذات مرةٍ، أني ذهبت لأحد الأشخاص الذي تعرفت إلى ابنته داخل المعتقل، كنتُ أريدُ أن أطمئنه على ابنته، وكلي ظنٌّ أنه في غاية القلق عليها، كانت صدمةً كبيرةً لي عندما سمعتُ ما قاله، حيث قال لي “هذه ليست ابنتي، وأقسمُ أني سأذبحها حال خروجها من السجن”، كلامه زاد الطين بِلة، وجعلني أشعرُ أن الناس تحولت لشياطين”.
“ما هذا المجتمع ألا يكفينا عذاب المعتقل؟ فقد ذقنا شتى ألوان العذاب في المعتقل، لنلاقي ما هو أمرّ من مجتمع لا يتقبل وجودنا فيه”.
أنا أرى أنّ هذا المجتمع الذي ينظر إلى المعتقلة بأنها عار عليه، هو العار ذاته وليست تلك المعتقلة التي لا ذنب لها في اعتقالها، المجتمع الذي وجه إليّ كل عبارات الإهانة، أقول له أنت قبل أن تهينني، فإنك تهين نفسك، وأقول له كن مع المعتقلات ولا تكن أنت والزمن عليهن.
لم تكن أم أحمد تعلمُ أن نظرة المجتمع للمعتقلة هي نظرةُ احتقارٍ واستخفاف، حتى عاشت ذلك بنفسها، وصار لديها يقينٌ أن سياط الجلاد أرحم من لسان الناس.
إعداد: وفاء المحمد.