فتاة يتيمة سرقت مني غفوتي
بينما كنت أجلس على الشرفة في منزل أخي المطلة على السهول، وأراقب غروب الشمس لم أعد أستطيع فتح عيني، أخذت بي تلك النسمات الباردة ورائحة الزهور من حولي في غفوةً قيدت عيني، لم أعد أستطيع النظر لأحد، ولا أحس بشيء سوى السماع لحديثهم، وهم يندهون لي هي انهضي، “القهوة أصبحت جاهزة”، لم أستطع النهوض، فتلك الغفوة كانت أجمل من أي شيء.
حتى دخلت جارتهم سامية، كنت أسمع أصوات الترحيب بها ومازلت مقيدة بتلك الغفوة، دار الحديث بينهم حتى طرق في مسمعي سؤال الجارة لزوجة أخي، من تلك الطفلة الصغيرة النائمة؟
فأجابتها أنها طفلة يتيمة تقوم أخت زوجي بتربيتها فهي بمثابة ابنة وجميعنا نحبها.
شهقت سامية باستغراب يتيمة!!!!
كان صوتها كالجرس أيقظني من غفوتي، فشهقات الجارة جعلتني أنهض وكلي استغراب ما سبب صرختها!!
نظرت لها مندهشة! ورأيت عينيها مدمعة، قالت: “يالها من مسكينة يتيمة”، لتطرح سؤالها وأنت تقومين بتربيتها وتحبينها؟ نعم كثيراً فهي طفلتي.
كنت أنظر لها باستغراب!!
حين قالت أنا يتيمة توفي والدي، وأمي اضطرت لتركي، وإخوتي من والدي لم يسمحوا لها بأخذي معها، كنت صغيرة لا أبلغ الثلاث سنوات، حين بدأت زوجات إخوتي بتربيتي وتنقيلي من منزل إلى آخر، فقد كنت أكبر وأحس باليتم وفقدان والدي والذل الذي أعيش وهم إخوتي، الذين لم أجد منهم العطف.
أكملت حديثها لقد دخلت المدرسة ولم أكمل الأول الإبتدائي بسبب قسوتهم وضربي لعدم معرفتي جعلوني أتركها، والآن لا أعرف القراءة ولا الكتابة أمية في زمن العلم، كنت أكبر وأجد نفسي أظلم وأنا أعيش بين إخوتي، وأنا من عمر أطفالهم، طفلة يتيمة فقدت أبسط حقوقها، حتى اللعب كان ممنوع يجب علي القيام بكثير من الأعمال حسب رغبة زوجات إخوتي، أنام بغرفة مظلمة لا إنارة فيها باردة شتاء و حارة صيفاً بمفردي منذ صغري.
كانت تتحدث وعيونها تتجول بأرجاء المكان، وكأنها تبحث عن شيء يخفي حزنها، تلك الفتاة الثلاثينية فقدت حياتها وهي ضمن عائلة من لحمها ودمها، كنت مندهشة جداً وأسئلتي تطرح نفسها، كيف وهم إخوتك؟
أجابت سامية: “لا أدري قضيت طفولتي التعيسة لأبلغ فترة شبابي التي جعلها إخوتي تغدو بعيداً هي الأخرى، والتي قضيتها وأنا أنظر لكل الفتيات تتزوج من عمري وحتى أصغر مني، وإخوتي يرفضون كل من تقدم لخطبتي، ووضع الأعذار فيهم، حتى مرت الأيام ولم أجد لنفسي مستقر، ولا حتى زوج ينتشلني مما أنا فيه، ولأحقق حلمي بأن أكون أم ولدي طفل.
أدمعت عيني لوضعها السيء، أحسست بشيء بداخلي يتألم عليها ولا أستطيع فعل شيء.
لتنهض وتغادر وهي تبتسم وتقول: “أحسني معاملتها لك الثواب في تربتيها، وأطلب منك أن تكوني حنونة ولا تجعليها تحس بأنها يتيمة، وفقدانها والدتها”.
غادرت المنزل وأخذت من تلك الغفوة التي جعلتني أسهر حتى الصباح وأنا أفكر بمدى حزنها.