أسماء: “ماكينة الخياطة رفيقة دربي”
خيمة مقسومة إلى جزأين يحتوي واحد منهما على أثاث الخيمة والآخر توضع فيه طاولة عليها مقص وخيط للمقاس وحبل يربط بين جداري الخيمة المؤلفين من النايلون والقماش موضوع عليه بعض الأقمشة والورود الصغيرة التي تستخدم لتزيين فساتين النساء، ويتوسط هذه الاشياء كرسيان تجلس عليهما امرأتان منهكتان بالعمل خلف آلة الخياطة.
“اسمي أسماء، عمري ٣٥ عاماً، لدي أربعة أولاد، ثلاث بنات وصبي واحد”. هكذا عرفت إحداهما عن نفسها.
وأسماء هي نازحة من بلدة حاس في ريف إدلب الجنوبي إلى مخيم سرمدا في ريف إدلب الشمالي منذ شهر أيار 2019 نتيجة تعرض البلدة إلى قصف كثيف من طائرات ومدافع بشار الأسد وحليفته روسيا في إطار حملتهم على محافظة إدلب، وخاصة على ريف إدلب الجنوبي، ما أدى إلى استشهاد مئات المدنيين ونزوح نحو نصف مليون إنسان من هذا الريف إلى مناطق أخرى، وخاصة إلى ريف إدلب الشمالي.
وتخضع محافظة إدلب لسيطرة حكومة الإنقاذ المعارضة لنظام بشار الأسد ويتجاوز سكانها ثلاثة ملايين نسمة.
ويتألف مخيم سرمدا الذي نزحت إليه أسماء من نحو 300 خيمة مصنوعة من القماش تمتد على مساحة أربعة دونمات مفروشات بالبحص، بناه المجلس المحلي لبلدة حاس ليكون مخصصاً لنازحي البلدة، ويعمل هذا المجلس على إمداد المخيم بالمقومات الأساسية للحياة كمياه الشرب وشبكة الصرف الصحي وغيرها.
علا صوت ماكينة الخياطة وماهي إلا دقائق حتى اختفى بعد أن انتهت أسماء من صنع فستان لطفلتها، وتقول: “كنت أحب مهنة الخياطة منذ الصغر، كبرت وكبرت محبتها في قلبي، بدأت العمل بتفصيل بعض القطع الصغيرة لإخوتي حتى أتقنت الخياطة بشكل جيد”.
وعملت أسماء بالخياطة مدة سنتين وبعدها تزوجت، ولكن ذلك لم يقف عائقاً أمامها بل زاد حماسها على متابعة الخياطة وخاصة بعد أن رزقت بطفلة، وتقول: “كنت كلما تكبر ابنتي شهراً أصنع لها ملابس جميلة جديدة، وكنت أفرح عندما أرى طفلتي ترتدي الثياب التي أصنعها لها”.
ورزقت أسماء بطفلة أخرى مريضة تلاسيميا، وتبدي حزناً شديداً وتقول: “كنت أبدل لها دمها كل شهر في كفرنبل المجاورة لبلدتي ولكن توقف العلاج، الأمر الذي اربكني كثيراً، كثيرة هي الليالي التي بقيت فيها مستيقظة أراقبها”.
وحدثتنا أسماء عن عملها في بلدتها حاس قبل النزوح وقالت كانت الخياطة جيدة ثم بدأت بالتراجع مع نزوح الناس من البلدة خوفاً من الموت.
وتتذكر أسماء إحدى ليالي قصف طائرات النظام بلدتها قبل أن تنزح وتقول: “كنت منهمكة في خياطة ثوب لإحدى الزبونات وفجأة صعقت ووجدت نفسي مرمية على الارض ولم أعد أرى شيئاً”.
تتابع وقد غرغرت الدمعة في عينيها: “حل الظلام على البيت، تناثر الحطام، انقطعت الكهرباء، سقط صاروخ خلف بيتنا أدى إلى تكسير نوافذ بيتنا وتعطيل ماكينة الخياطة بسبب إصابتها بشظية خرقت النافذة لتصطدم بها، والحمد لله لم أصب أنا، ولكن تمزقت بعض الأقمشة”.
وبعد مضي تلك الليلة نزحت أسماء إلى مخيم سرمدا ونقلت بعض أثاث منزلها وأدوات الخياطة إليه وقامت بتصليح الماكينة التي لا تفارقها وبدأت بالخياطة في تلك الخيمة الصغيرة، وهي تخيط في الأسبوع حوالي عشر فساتين وتأخذ ألف ليرة سورية أجرة مقابل الفستان الواحد، وتقول: “لم أجد حل سوى النزوح إلى هنا وتابعت الخياطة لأمرين: الأمر الأول لأني أحب مهنة الخياطة منذ صغري، والأمر الآخر لأن لقمة العيش صعبة والظروف الاقتصادية سيئة ولا بد من العمل”.
وتضيف: “سوف أتحمل كل الآلام وراء ماكينتي اليدوية، سوف أتحمل آلام الظهر والركبتين من الجلوس وراءها”.
وأثناء حديثنا دخلت هبة ابنة أسماء وحدثتنا عن حبها لأمها وقالت: “أمي امرأة عظيمة وأنا احترمها كثيراً، الثياب التي تصنعها جميلة ولديها موهبة بالخياطة، أتمنى أن أصبح مثلها في المستقبل”.
وتقول أم أحمد (30 عاماً) وهي إحدى زبونات أسماء: “الفساتين التي تحبكها أسماء جميلة ومميزة، أنا كلما أردت أن اخيط ثوباً جديداً لي أو لبناتي آتي إلى هنا، خياطها جميل وهي مبدعة وسريعة وتقبل بأجرة رمزية”.
تتحمل أسماء غبار المخيم وقساوة العيش فيه سعياً لتحقق حلمها الذي لطالما حلمت به منذ الصغر وتقول: “أحلم بإنشاء مشغل كبير للخياطة، لذلك سوف اتحمل كل شيء من أجل هذا، فالحياة قاسية ويجب علينا السعي فيها لتحقيق مخططاتنا”.
إعداد: حسن فرحات