أم عبدو تجعل من زعتر الجبال مصدر دخل
تغربل أم عبدو (35 عاماً) الزعتر بغربال مستدير تمسكه بيديها المغبرتين وبجانبها كيس مليء بالزعتر الذي يحتاج للتنظيف، وتبدو منهكة تتجمع قطرات من العرق على جبهتها تمسحها بمنديل وتقول:
“والله مطلوب مني ١٠٠ كيلو للشام لعند أهلي توصيات، بس وين يا حسرة؟ لا نستطيع إرساله فقد تصادره حواجز النظام”.
وأم عبدو هي امرأة تعيش مع زوجها وأولادهما الأربعة في قرية عزمارين البالغ تعداد سكانها نحو 15 ألف نسمة والواقعة في ريف إدلب الشمالي الخاضع لسيطرة الفصائل الثورية، وتعمل في صناعة زعتر المائدة ضمن منزل الأسرة.
ومع بداية كل صيف تبدأ أسرة أبي عبدو عملها بقطف الزعتر الأخضر من الجبل الوسطاني المحيط بقرية عزمارين والممتد على مسافة أربعين كيلومتر بين جسر الشغور وسلقين في محافظة إدلب.
وتقول أم عبدو: “تعمل عائلة زوجي منذ زمن في قطف الزعتر، وتجمعه بكميات كبيرة وتبيعه للتجار بسعر جيد كونه مطلوب خارج المحافظة، ومع بداية الثورة توقفوا عن قطفه بسبب الحرب الدائرة، وبعد زواجي بدأ زوجي يعمل في الباطون ولكن لم يوفق في عمله، فقرر العودة للعمل في قطف الزعتر في فصل الصيف، وجمع الحطب في فصل الشتاء”.
وتوضح: “يخرج زوجي الملقب شيخ الزعتر كل صباح من الساعة السابعة حتى الساعة الثانية ظهراً لجمع الزعتر، وقبل عودته أقوم بتنظيف السطح وشطفه بالماء وأتأكد من عدم وجود حصى وأجففه جيداً، وعند عودته آخذ الزعتر وأنشره على السطح تحت ضوء الشمس ليجف تماماً، وفي اليوم التالي وبعد مغادرة زوجي لجمع كمية ثانية، أضع كمامة على أنفي لحجب رائحة الزعتر فهي قوية ويملأه الغبار وأقوم بجميع الزعتر الذي قمت بنشره على السطح في اليوم السابق”.
وتتابع: “وبعد أن يجف بشكل جيد أقوم بدقه بعصا خشبية حتى أنهي الكمية الموجودة، وأقوم بنخله في الغربال عدة مرات حتى يصبح نظيفاً، ثم أجمعه في أكياس نايلون ليتم حفظه من الأوساخ والغبار، بينما أجمع عيدانه وأحفظها في أكياس كبيرة للاستفادة منها في فصل الشتاء للتدفئة”.
وتشكو أم عبدو ضعف التسويق هذا الموسم وتقول: “نحن نعمل منذ أربع سنوات ونبيع الزعتر لتجار في مدينة إدلب ويأخذون كل الكمية التي نجمعها في كل سنة وبسعر جيد، لكن هذه السنة وبسبب الظروف الراهنة التي تشهدها محافظة إدلب، قلّ الطلب وانخفض سعر الزعتر لعدم استطاعة التجار تصديره إلى المحافظات الأخرى”.
وتوضح: “سعر الكيلو كان قبل الثورة بما يعادل قرابة دولارين، أما الآن بدولار واحد وأقل من دولار، فنحن نجمعه مع تخوف كبير لعدم استطاعة تسويقه، فزوجي يذهب كل خمسة عشرة يوماً مع الكمية التي جمعناها بأكياس متجهاً نحو مدينة إدلب لبيعها”.
وهو ما أكده زوجها أبو عبدو (37 عاماً) الذي يتنقل بين الجبال وطرقها الوعرة على دراجته النارية بحثاً عن الزعتر وقال: “في فصل الربيع يقطف الزعتر ويشتريه الناس للكبس بزيت الزيتون في أواني زجاجية لصنع الفطائر، ومع بداية فصل الصيف أبدأ بجمع الزعتر بعد أن ينمو مجدداً لبيعه مجففاً”.
وعن مشكلة التسويق قال أبو عبدو: “قل طلب التجار على الزعتر هذه الأيام، وكثير منهم يقولون لنا إن الزعتر ما زال في المستودعات من السنة الماضية لعدم استطاعتهم تصديره إلى مناطق أخرى”.
ويقدر أبو عبدو عمل زوجته في تجهيز الزعتر ويقول: “تصحو أم عبدو كل صباح رغم ضيق وقتها فهي امرأة مجدة تعتني بأطفالها الصغار وتنهي أعمال المنزل وتجهز الطعام، وتقوم بتجهيز الزعتر، تدقه وتنخله وتعبئه في أكياس كل يوم دون ملل، وأنا أقدر تعبها ومساندتها لي، فعملي لا يكتمل إلا بمساعدتها”.
وتدخل الغرفة أم محمد (28 عاماً) وهي إحدى جارات أم عبدو وتقطع حديثنا قائلة: “يا جارتي بدي كيلو زعتر زكاتك مستعجلة بدي روح”، وتجيبها أم عبدو “تكرمي”، وتعطيها إياه دون أخذ ثمنه قائلة: “هذا زكاة عملنا”، وترد أم محمد “الله يرزقكن ويقويكن ما في منك جارة أدب وأخلاق حميدة”.
والعمل في قطف وإعداد الزعتر ليس سهلا بحسب فاطمة (٣٣عاماً) التي تقول: “حاولت العمل في الزعتر لكني لم أستطع لرائحته القوية وصعوبة قطفه وتجهيزه”.
ولكن ذلك لا يثني عزيمة أم عبدو التي تدعو النساء إلى العمل من أجل التغلب على الظروف الصعبة وتقول: “المرأة يجب أن تكون سنداً لزوجها فلا يجب أن تقف مكتوفة الأيدي إن استطاعت العمل”.
بقلم تغريد