نجمة.. طالبة الجامعة التي تحدت جميع الصعوبات في طريق دراستها
نجمة المحمود (20 عاماً) من مدينة كفرنبل نزحت من جنوب ادلب إلى منطقة الحدود السورية (مخيم قاح) بسبب الهجمة الشرسة التي تتعرض لها مناطق سيطرة الفصائل الثورية في جنوب ادلب والتي دفعت مئات آلاف المدنيين للنزوح لمناطق أكثر أمناً باتجاه الحدود التركية.
تقطن نجمة في منزل صغير مؤلف من غرفتين صغيرتين كانت قد وضعت مجموعة من الكتب والدفاتر والأقلام على طاولة خشبية قديمة بمشهد يدل على بساطة المكان.
قضت نجمة جزءاً من حياتها في مدينة حلب سابقاً حيث تقول: “عندما كنت طفلة صغيرة كنا نعيش بمدينة حلب بحكم عمل والدي الذي كان يعمل في سلك الشرطة، ومع بداية الثورة السورية قرر والدي الانشقاق لأنهم طلبوا إليه إطلاق النار على المتظاهرين العزل، وعاد بنا إلى مدينتنا كفرنبل”.
تضيف: “عندما قامت الثورة السورية حمل المتظاهرون أغصان الزيتون بأيديهم ورفعوا شعارات مناهضة للنظام، ونادوا بإسقاطه، فما كان من هذا النظام بجبروته إلّا أن واجههم بالرصاص الحي.
قطع حديث نجمة دخول والدتها حاملة بين يديها صينية يوجد عليها إبريق شاي وكؤوس فارغة، رحبت بالموجودين وجلست تستمع لابنتها التي تحكي عن القصف الذي تعرضت له بلدتها بعد المعركة التي جرت فيها وتم طرد جيش الأسد منها، حيث تقول: “بعد تحرير الحاجز بمدينتي كفرنبل، صب نظام الأسد المجرم جام غضبه على المدنيين العزل، وبعدَ تفكيرٍ طويلٍ قرر والدي أن يرحل بنا بعيداً عن هذا الرعبِ والخوف، حيث لجأنا إلى تركيا كما لجأ إليها مئاتُ الآلاف من الشعب السوري خوفاً من بطِش نظام الأسد”.
لجأت الكثير من العائلات السورية إلى تركيا خوفاً من بطش قوات الأسد الذي فقد شرعيته بنظر الكثير من الدول المتقدمة وأصبح ينتقم من المدنيين بعد معارك خاسرة يخوضها مع الفصائل الثورية.
مثل آلاف الناس سكنت نجمة الخيام التركية وتعلمت فيها، تقول: “ذهبنا إلى تركيا وسكنا المخيمات هناك ودخلنا المدارس أيضاً وكنت من المتفوقات في مدرستي، فأنا منذ نعومة أظافري أحب الكتب، ولدي فضول لاكتشاف ما يحتويه كل كتاب أصدفه في طريقي، كبرت وكبرت معي هذه المحبة، وبعد مضي عدّة سنوات أصبحت بالثانوية، وتقدمت لامتحان الشهادة الثانوية، وكنت من المتفوقات، وتحقق حلمي منذ أن كنت صغيرة فقد حصلت على مجموع يؤهلني لدخول كلية الصيدلة هناك”.
أطرقت نجمة برأسها ولم تكمل حديثها وتساقطت الدموع على خديها، وبدت حزينة، ثم أكملت: “هنا قرر والدي العودة إلى سوريا فرجوته وقلت له بأن مستقبلي سوف يضيع هناك، ولا أريد العودة إلى سوريا، أريد أن أحقق أمنيتي، فقال لي إنه: “بإمكاني دخول الجامعة هنا في سوريا”.
الدراسة في المناطق المحررة أصبحت شبه مستحيلة وخصوصاً بريف ادلب الجنوبي، بسبب الحملة الهمجية التي تشنها قوات نظام الأسد والعدوان الروسي على المدنيين العزل وهدم منازلهم.
وأضافت: “عند عودتنا إلى سوريا تقدمت بشهادتي للجامعات هنا، ولكن دون جدوى لم يقبل طلبي، فقد كانوا يطلبون ورقة نجاحي بالامتحان المعياري والتي لم أحضرها معي لأن والدي قرر العودة إلى سوريا قبل استلامها، فقد كان شوقه لبلده فوق كل شيء، وقد حزنت كثيراً لذلك، فقد ضاع حلمي وضاع معه مستقبلي”.
قررت نجمة التقدم لامتحان الشهادة الثانوية من جديد في سوريا بتشجيع من والديها في ظل حالة مادية صعبة، حيث تمكنت من دخول كلية التربية بعد نجاحها بالامتحان في الداخل.
داخلت والدة نجمة والتي تدعى أم أحمد (40 عاماً) الحديث “أمضت نجمة الفصل الأول من السنة الأولى بالجامعة في كفرنبل، وتقدمت للامتحان وتمكنت من النجاح بجميع المواد، ومع قدوم الفصل الثاني قامت قوات الأسد والعدوان الروسي بحملة هيستيرية على ريف ادلب الجنوبي مما اضطرنا للنزوح إلى مخيمات قاح، وتقدمت لمواد الفصل الثاني وهي هنا، وما زلنا ننتظر الفرج من الله”.
“ابنتي مثال الشابة المثابرة والصبورة فقد تمكنت من الدراسة والتفوق رغم كل الظروف السيئة التي مرت بها أنا أفتخر بها كثيراً”.
في ظل هذه الظروف الصعبة أصبح من يتمكن من الدراسة يعتبر بطلاً حقيقياً فهو يتحدى المخاطر جميعها في سبيل دراسته.
كان والد الشابة أبو أحمد 44 عاماً يستمع بشغف فقال: “ابنتي نجمة اسم على مسمى فهي نجمة المنزل وبهجته، وأنا أحييّ فيها صمودها في وجه الظروف والتحديات الصعبة التي مرت بها، ورغم ذلك تبقى متفائلة ومبتسمة ومرحة”.
هنا دخلت طفلة صغيرة بشعر ذهبي وعيون زرقاء ضاحكة وهي تصرخ: “ماما.. بابا، اليوم المعلمة قالتلي إني أشطر طالبة بالصف وأهدتني مرحة”.
آية وهي أخت نجمة الصغرى عمرها 10 سنوات، بكل عفوية: “أختي نجمة أحسن وأحن أخت بالعالم وأنا بحبا كتير وياريت كل الأخوات يكونوا متلا”.
رغم ظروفها القاسية ورغم كل ما مرت به تمكنت تلك الشابة من دخول الجامعة ولم تستسلم لواقعها.
أحمد 17عاماً قائلاً: “أختي نجمة أخت رائعة وأنا أحبها كثيراً وأتمنى أنا أكون مثابراً مثلها، فأنا سوف أتقدم لامتحان الشهادة الثانوية هذا العام”.
تتمنى نجمة عودة الأمن والأمان إلى بلدها سوريا بشكل عام وإلى مدينتها كفرنبل بشكل خاص، لتتمكن من العودة إلى هناك فهي تحب مدينتها كثيراً، وتتمنى عودة المدارس حتى لا يغرق هذا الجيل بالأمية.
رغم الظروف القاسية على الجميع، إلا أن هناك دائماً من هو أقوى منها، من لم تقهره الحياة رغم جميع الخيبات التي واجهته، وخاصة تلك الفتيات اللواتي صممن على العمل والنجاح من أجل صناعة مستقبل زاهر يمحو ما تركه الماضي والحاضر من ندوب وعثرات.
إعداد: وفاء