خبز التنور مهنة تسد حاجة عائلة نازحة إلى المخيمات
روضة الحسن (أم عبد الله) كما تحب أن يدعوها الناس تبلغ من العمر47عاماً من بلدة حاس نزحت إلى مخيم سرمدا الذي أقيم للنازحين من بلدة حاس، حيث سكنت مع عائلتها خيمة بسيطة بجانبها فسحة صغيرة قامت ببناء طاولة حجرية صغيرة وضعت عليها بعض احتياجات الأطفال مثل البسكويت والبطاطس لترتزق ما تيسر من بيع الأطفال.
أقيم مخيم سرمدا منذ شهر أيار الماضي وبالتزامن مع الحملة الشرسة التي شنتها قوات الأسد وحليفتها روسيا علي مناطق ريف ادلب الجنوبي، واحتوى المخيم عدداً لا بأس به من الخيام قطنها نازحون من بلدة حاس.
بعد أن سكنت روضة الحسن في المخيم حيث الأوضاع الصعبة وقلة الموارد فكرت برديف لبسطتها المتواضعة، وعمدت على بناء غرفة بجانب الخيمة من أجل بيع خبز التنور بعد صناعته بداخلها لتكون مصدر رزقها وزوجها.
وتقول أم عبد الله: “إنني أستطيع تحضير خبز التنور ويعود الفضل بذلك لأمي التي علمتني خبزه منذ صغري، وعندما كنت في بلدتي أخبز على التنور كثيراً لعائلتي خبزاً أبيض ومحمر وفطاير بالجبنة والزعتر”.
يشتهر الخبز السوري بطعمه اللّذيذ، وسهولة تحضيره، ومكوناته البسيطة، يُقدم تقريباً مع كافّة الوجبات، فلا تخلو سفرة من الخبز، وقبل انتشار المخابز كانت تصنعه السيدات في المنزل في الصباح الباكر، ويقمن بخبزه على الصاج. تختلف طريقة صنعه من سيدة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى وذلك يعود لعادات أهل البلد.
وتضيف أم عبد الله “عندما نزحت إلى المخيم بدأت البحث عن عمل لكي أساعد زوجي في مصروف المنزل، فإن ما يجنيه زوجي من البسطة لا يكفينا، لذلك خطرت في بالي فكرة خبز التنور والبيع في المخيم”.
يعدّ خبز التنّور أحد أنواع الخبز التي اشتهرت في الريف السوريّ، وبعد ذلك انتقلت إلى جميع الدول العربية، وخبز التنّور يكون ذا لونٍ مائل إلى السمرة، وذلك بسبب استخدام حبوب القمح المطحونة فيه، ويتمّ تناول خبز التنّور على وجبة الفطور بشكل خاص، ولكن يكون له طعمٌ مُميّز إذا غمس بزيت الزيتون والزعتر.
وشرحت أم عبد لله عن عجينة خبز التنور: “أضع الطحين بدون تقدير كميته في وعاء كبير ومن ثم قليل من الملح ورشة صغيرة من السكر وظرف خميرة فورية وظرف الخميرة حسب كمية الطحين ومن ثم أقوم بسكب الماء الفاتر على مراحل حتى أرى العجينة أصبحت جاهزة وبعد الانتهاء من العجين أقوم بتغطية العجينة بغطاء سميك بضع ساعات حتى تختمر العجينة وتصبح جاهزة للخبز على التنور”.
أبو أحمد (50 عاماً) وهو جار لعائلة أم عبد الله وأحد زبائنها يداخل بالحديث: “إن فكرة خبز التنور في المخيم فكرة رائعة جداً لأنه لا يوجد في المخيم إلا أم عبد لله تقوم بالخبز على التنور، فإن الفطائر التي تقوم بتحضيرها رائحتها شهية وطعمها لذيذ جداً”.
تشرح لنا أم عبد الله عن بداية افتتاحها لمشروعها: “لقد قمت بشراء التنور من عند أم سطيف هي التي تقوم بتدوير التنانير وبيعها ويختلف سعر كل تنور باختلاف حجمه لأن عملية صنع التنور تحتاج إلى خبرة ومواد خاصة لصناعته”.
فاطمة ابنة أم عبد لله (30عاماً) تقول: “والدتي تستيقظ من الساعة السادسة صباحاً لكي تقوم بتحضير العجين للخبز وأقوم بمساعدتها بإشعال النار داخل التنور لكي تستطيع والدتي تحضير الفطائر في الوقت المناسب للزبائن على وجبة الفطور”.
تقوم أم عبد الله بتلبية احتياج جميع زبائنها في المخيم وتقول: “أعجن ما يقارب 10كيلو غرام من الطحين وتبلغ عدد الفطائر 500فطيرة وبالنسبة لسعرها يكون حسب حجم الفطيرة فإني أقوم بتحضير فطاير الجبنة والزعتر والمحمرة وسعر فطائر الجبنة والزعتر مئة ليرة والمحمرة مئة وخمسين ليرة أي ما يقارب عشرة سنتات”.
قاطع حديثنا دخول امرأة خمسينية علمنا أن اسمها صفاء تقول”هل جهز العجين الذي أحضرته لك؟ نعم أعطيها خبزها يا ابنتي فاطمة”.
ليس فقط الفطائر والخبز تصنعه أم عبد الله بل تخبز للناس عجيناً يجلبوه في حسابهم، وعلاوة على ذلك تخبز طحيناً لمن يريد خبز التنور بكمية أكبر، حيث تقول: “يوجد الكثير من النساء لا تتقن تحضير العجين وكيفية الخبز على التنور، فتعطيني الطحين وأنا أقوم بعجنه وخبزه وأتقاضى على ذلك أجراً حسب كمية الطحين”.
أم أحمد (30 عاماً) زبونة جلبت طحينها في وقت سابق تداخل بالحديث: “أنا لا أُجيد خبز التنور كثيراً والخبز الذي تصنعه أم عبد الله مميز جداً ورائحته مختلفة عندما تقوم بخبزه تفوح في أرجاء المخيم بأكمله، وهذا ما يجعلني من زبائننها”.
إن فكرة خبز التنور التي قامت بها أم عبد الله في المخيم كانت رائعة وجديدة ولاقت إقبالاً كبيراً من قبل النازحين في المخيم، والأهم من ذلك هي مصدر رزق لعائلة سورية هجرتها قوات الأسد للشمال السوري بشكل قسري.
إيناس لمحمد