نساء في حاس يحترفن صناعة المؤونة
من بلدة حاس في ريف إدلب الجنوبي تقول أم علي (50 عاماً) إنها تعمل في إعداد مختلف أنواع المونة في فصل الصيف مثل “المكدوس والملوخية والباذنجان والبامياء والبازلاء وبعض العصائر والمخللات”، وذلك بناء على طلب الزبائن أو من أجل بيعها في السوق.
وأم علي ليست الوحيدة العاملة في صناعة المونة في بلدة حاس، وإنما هناك نساء أخريات يعملن في هذه الصناعة المنزلية من أجل تحسين ظروف حياتهن في ظل الحرب الدائرة في سوريا منذ تسع سنوات.
وتخضع بلدة حاس لسيطرة الفصائل الثورية، ويبلغ تعداد سكانها نحو 25 ألف شخص نزح معظمهم من البلدة مع بدء حملة النظام وروسيا على إدلب منتصف عام 2019، وما زال هناك أناس يعيشون في هذه البلدة رافضين النزوح لأسباب مختلفة.
واعتاد السوريون على ادخار بعض أصناف الطعام من فصل إلى آخر، وخاصة من فصل الصيف إلى فصل الشتاء. وتتفق نساء إدلب على أن المونة هي من ضروريات المطبخ.
وعادة ما يموّن السوريون المكدوس والملوخية والبرغل والعدس والفريكة والفليفلة وورق العنب والألبان والأجبان والزيتون ودبس البندورة ومربيات المشمش والقرع والكرز ومخللات العجور والفليفلة والخيار واللفت وغيرها.
وتقول أم علي: “قمت بزراعة القمح لكي أقوم بحرق الفريكة، وكان هذا العمل بمساعدة شاب لديه خبرة كافية في حرقها، وبعد أن أنهيت إعدادها كان لونها رائعاً من شدة الخضار، وطعمها لذيذ، وقمت بتنظيفها من الحصى ومن ثم بدأت أبيعها ونالت إعجاب نساء البلدة بشكل كبير”.
وتصف أم يوسف -وهي ابنة أم علي- عمل والدتها في المونة بأنه “متعب جداً لأنها تقضي أيام الصيف بأكملها في إعداد المونة من حفر الباذنجان إلى سلق ورق العنب إلى تقطيف الملوخية وتيبيسها إلى صناعة المكدوس وغير ذلك”، وتقول:
“اكتسبت أمي شهرتها في العمل من خلال نظافتها في بيتها وفي عملها، وهذا الشيء الذي ترغب به النساء اللواتي يشترين منها مونتهن، وهي تحب هذا العمل كثيراً رغم صعوبته ولديها ذوق رفيع في إعداد المونة”.
وهو ما يروق لجارتها سهى التي ترغب بأن تكون مونتها من عند أم علي لما تعرفها عنها من “نظافة وإتقان في العمل”.
لكن سهى لم تتمون هذه السنة وتقول: “دفعت مبالغ طائلة لشراء المونة في العام الماضي وتخزينها لفصل الشتاء، ولكن قطع الكهرباء المتكرر تسبب في فسادها، واضطررت لرميها بعد أن أصبحت غير صالحة للأكل، فضلاً عن أسعارها المرتفعة بالنسبة لي كموظفة براتب 40 ألف ليرة سورية فقط، لذلك قررت التخلي عن فكرة المونة هذا العام، وفي هذا الشتاء أشتري حاجتي الأسبوعية فقط كي لا تفسد”.
وبسبب ارتفاع أسعار الفواكه والسكر هذا العام، لم تصنع صانعات المونة مربيات بكميات كبيرة وإنما بكميات محدودة وفي حالة التوصية فقط، كما أوضحت أم عبد الله (40 عاماً) قائلة:
“عادة ما كنت أصنع المربيات لأنها تنجح معي كثيراً وتطلبها نساء البلدة، ولكن أسعار المربيات الآن غالية جداً وخاصة إن صنعت على أصولها، لذا لا أصنعها إلا إذا طلب مني أحد الزبائن، وحينئذ آخذ مبلغاً من المال قبل البدء بعملي لأن أسعارها عالية”.
وشرحت لنا أم عبد الله طريقة صنع مخلل الشوندر واللفت قائلة:
“في هذه الأوقات يأتي عمل مخلل الشوندر واللفت المطلوب كثيرا، قامت بتوصيتي إحدى قريباتي على 20 كيلوغراماً، وهو يحتاج إلى عمل كثير يبدأ بتقشيره ونقعه بالملح لبضع ساعات ومن ثم غسله بالماء ووضعه في القطرميزات مع كمية مناسبة من الملح”.
وأم عبد الله بحسب أم فراس -وهي إحدى زبوناتها- امرأة اكتسبت خبرة عالية في مجال صناعة المونة، ويمكن الاعتماد عليها في مختلف أنواعها.
وفي بلدة حاس وسطاء يبيعون ما تصنعه النساء من المونة مقابل الحصول على شيء من الربح ومنهم أبو عبدو، وهو رجل أربعيني يملك دكاناً في السوق الرئيسي للبلدة ويبيع فيه الألبان والأجبان بالإضافة للسمن العربي وما تورده له صانعات المونة، ويقول أبو عبدو:
“كثير من نساء البلدة يعملن في المونة في فصل الصيف، ويزداد مبيعها عندي في فصل الشتاء بسبب نفادها من بعض البيوت أو للرغبة في نوع معين لم تقم أسرة ما بتموينه”.
ولم تقتصر صناعة المونة على الجهود الفردية من قبل بعض نساء بلدة حاس، وإنما بادرت منظمة الإحسان العاملة في محافظة إدلب للدخول في هذا المجال، ويقول أمجد وهو أحد العاملين في المنظمة:
“نحن في منظمة إحسان أطلقنا مشروعاً نسائياً لصناعة المونة في بلدة حاس، والموظفات فيه حصراً أرامل يصنعن الأجبان والألبان بأنواعها المختلفة وبعض المواد الغذائية الأخرى مثل تحلية الزيتون الأخضر والأسود المعروف بالعطون وصناعة المكدوس ودبس البندورة”.
اعداد: فريق فرش أونلاين