أم محمد تصنع اللبن والجبن في دكان صغير لمساعدة زوجها الفقير
وجدت عائلة أم محمد مكاناً تلجأ إليه حين قصدت مدينة عزمارين شمالي غرب مدينة ادلب بعد الهجمة العنيفة التي نفذتها قوات الأسد والقوات الروسية على مناطق عدة في ريفي حماة وإدلب وتقول أم محمد: “شعرت بتحسنٍ بعد ذلك الخوف الذي واجهنا حين خرجنا بشكل مفاجئ تحت صوت القذائف والصواريخ وهدير الطائرات الحربية”.
جورية (اسم مستعار) عمرها 41 عاماً ومعروفة بأم محمد وهي أم لخمس بنات وولدين، نازحة من سهل الغاب بريف حماة إلى مدينة عزمارين الواقعة شمالي ادلب وعدد سكانها حوالي 10000 نسمة ويقطن فيها أكثر من ألف عائلة نازحة وتقول أم محمد واصفةً وضعها المعيشي:
“يعود الفضل لأختي وزوجها الذين وجدوا لنا منزلاً نعيش فيه، فبعد مضي شهرين بدأ ما بحوزتنا ينفذ، فالمصروف كبير، كنت أشعر بالخيبة فالتفكير لا يفارقني، كيف نمضي حياتنا؟ هذا جعلني بحالة سيئة والأيام تمر دون حل للأزمة، والآمال التي رسمناها للاجتماعات الدولية التي وعدت بحل أزمة ادلب زالت بالتقدم المفاجئ لقوات الأسد والسيطرة”.
بدأت أم محمد تخطط لمساندة زوجها صاحب الدخل المعدوم وتقول: “باستطاعتي فتح دكان لبيع الغذائيات، وطرحت الفكرة على زوجي ووافقني الرأي، واستأجرنا دكاناً صغيراً في السوق بأجرة 35 ألف ليرة شهرياً، ووضعنا كل ما استطعنا إخراجه من المحل الذي نملكه في بلدنا سابقاً بالإضافة لشراء ما ينقص”.
كانت أم محمد تساند زوجها بالعمل والبيع قبل النزوح واستمرت بوضعها السابق الذي اختلف قليلاً وتقول: “كنت أعمل مع زوجي في حماة وأسانده، أما هنا لم أستطع بسبب رفض أهالي المنطقة وجودي داخل محل تجاري للغذائيات، فقررت العمل داخل المنزل ومساعدة زوجي قدر استطاعتي، وبدأت بتختير اللبن والجبن في المنزل وإعطائه لزوجي لبيعه في المحل”.
أكملت أم محمد قائلة: “بعد مضي شهرين تعرضنا أنا وزوجي لحادث سير، لم أصب بأذى، أما زوجي بدأت تألمه ساقه، وكان بحاجة مساعدة في العمل، فنحن لا نستطيع إغلاق المحل لفترة طويلة، فقد ترتب علينا دفع أجور المنزل، والمحل، فقررت الذهاب معه للدكان تدريجياً، ومواجهة حديث الناس بمساندة زوجي، ففي اليوم الأول بدأت بتنظيف المحل والجلوس بعض الوقت وبيع الزبائن، وفي اليوم الثاني قمت بترتيب المحل، كنت كل يوم أمضي بعض الوقت لكن وجودي بدأ يؤثر على دخول الزبائن”.
وجدت أم محمد أن وجودها سيضعف عمل زوجها، فطلبت منه العودة للمنزل لكنه رفض وأصر على بقائها.
في مكان إقامة عائلة أم محمد لا يُستحب عمل المرأة في الدكاكين من قبل السكان ولكن حاجة العائلة للمال وسط نزوح جماعي زادها إصراراً لمساندة زوجها وتقول: أصحو أنا وزوجي باكراً، يذهب هو لجلب الحليب من قرية مجاورة تدعى عين تيبة وأقوم أنا بتختيره ليصبح لبناً نبيعه في المحل مساءً، وبعد الظهر أذهب وأساعده في المحل حتى المساء، يحضر الحليب مرة ثانية لأقوم بتختيره، وفي حال زاد الحليب عن حاجتنا أصنع منه الجبن وأجهزه لبيع في صباح اليوم الثاني، وهكذا نمضي معظم الوقت سوية”.
دخل زوجها أبو محمد (48 عاماً) وبيديه أكواب من القهوة الساخنة من السوق التي عبقت رائحتها المكان وقدمها، كان الجو بارداً جداً وجلس وشاركنا الحديث قائلاً: “والله يا أختي البضاعة غالي وارتفاع الدولار أثر كتير فنحن نشتري بسعر ونبيع بسعر والناس كلها متضايقة من الديون الإقبال للشراء موجود، لكن اختلفت الطريقة الآن يدخل أحدهم ويشتري نصف كيلو سكر ونصف كيلو لبن وأقل من نصف كيلو جبن وهذه كميات قليلة ومرابحها قليلة جداً”.
كل بضع دقائق يقاطع حديثنا أحد المشترين وتنهض أم محمد وزوجها لبيع الزبائن، حينها شكر أبو محمد جهود زوجته ومساندتها لها قائلاً: “والله أنا ممنون لعيونها وأشكر مساعدتها فهي امرأة طيبة تعمل بجد ونشاط في الدكان والمنزل، وتقوم على تربية الأولاد، فهي تقف بجانبي وقفة رجال والله يجزيها الخير”.
دخل رجل ثلاثيني العمر وسأل أبا محمد: “هل يوجد دخان من نوع حمراء”، رد أبو محمد: “نعم” وأعطاه طلبه.
دخلت فتاة أخرى صغيرة عمرها حوالي ثمانية أعوام معها سطل فارغ تريد لبناً وقالت: “خالتي أم محمد هل جهز لبن جارتنا صبحية؟ لقد أرسلتني بشأنه” فأجابت أم محمد: “لا يا صغيرتي عودي بعد ساعة ليكون قد اختمر”.
صوت أنثوي خشن من خارج الدكان يصرح: “يا أم محمد أأدخل؟” أجابتها أم محمد: “نعم تفضلي أم شادي كنت بانتظارك”.
أم شادي امرأة خمسينية طويلة وصوتها عالٍ، عرفتنها عن نفسها بجارة أم محمد، جلست وبدأت الحديث: “أم محمد جارة طيبة ولا تلح علينا بالدفع الفوري على الرغم من بساطة دكانها، الحمد لله لقد تعرفنها عليها منذ قدومها البلدة وندعوا الله أن يعيدها لمدينتها سالمة”.
اختتمت أم محمد حديثها: “الله يفرجها، الحياة تحتاج لمساعدة ومواجهة وقت اللزوم فقد تتعرض المرأة في بعض الأعمال لرفض لكن بالإصرار ومساندة من حولها تستطيع الثبات فلقمة العيش أصبح من الصعب إحضارها لكن مع العمل المشترك نستطيع فعل المستحيل”.
إعداد: فريق فرش أونلاين