أم عبدو تعمل مستخدمة لتعيل أطفالها
في يوم شتوي ماطر، استيقظت أم عبدو (55 عاماً) الساعة السادسة صباحاً، وارتدت ملابس العمل ثم خرجت مسرعة لتقف إلى جانب الطريق منتظرة مرور سيارة تقلها إلى مكان عملها، وتقول:
“صحيح أن الجو بارد وماطر والذهاب للعمل في مثل هذا الجو متعب، ولكن تعب العمل أهون عليّ من الحاجة للناس، وسأظل أعمل ما دمت أستطيع الوقوف على رجلي، لأكسب قوت يومي من عرق جبيني وأحفظ ماء وجهي عن سؤال الناس”.
وأم عبدو هي امرأة نازحة منذ صيف عام 2019 من مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي إلى قرية كلي بريف إدلب الشمالي بسبب حملة نظام بشار الأسد وروسيا على إدلب، وهي تعمل مستخدمة في مركز “بلسم” لتمكين المرأة.
وتتذكر أم عبدو أيام عملها مع زوجها المزارع أبو عبدو في حقلهما في كفرنبل منذ سنوات وتقول:
“في يوم من أيام الحصاد خرجت برفقة زوجي إلى الحقل، وأثناء عملنا شعر أبو عبدو بألم شديد في صدره ووقع أرضاً، فاستعنت بجارنا الذي كان يمتلك سيارة، حيث نقلناه إلى المشفى وبقي في العناية المشددة يوماً واحداً وبعدها توفي بسبب احتشاء في عضلة القلب”.
وتضيف: “عندما توفي زوجي تاركاً في عنقي سبعة أطفال كان لا بد لي من الاعتماد على نفسي من أجل إعالة أطفالي، فأطفالي ما زالوا صغاراً ويحتاجون رعاية كبيرة، فقررت أن أعود إلى العمل في الأرض كما كنت أعمل في السابق مع زوجي”.
وبالإضافة لعملها في الحقل حصلت أم عبدو على وظيفة في مركز “بلسم” لتمكين المرأة في كفرنبل، وتقول:
“تقدمت بأوراقي للعمل في مركز تمكين المرأة المسمى مركز بلسم، وبالفعل تم قبولي للعمل كمستخدمة، كنت سعيدة جداً بعملي الجديد، فهو عمل غير متعب، وأتقاضى 200 دولار شهرياً”.
وتتابع: “بالإضافة لعملي كمستخدمة في المركز أقوم بالعناية بأطفال الموظفات هناك حتى يتمكن من ممارسة عملهن بشكل جيد، فأنا أحب الأطفال كثيراً”.
وتضيف: “أذهب إلى المركز قبل ذهاب الموظفات وأقوم بتنظيفه وترتيبه، وفي فصل الشتاء أقوم بتشغيل المدفأة وأعد لهن الشاي ريثما يصلن”.
ومركز “بلسم” هو مركز لتمكين المرأة أسسته منظمة “سوريا للإغاثة والتنمية” في مدينة كفرنبل منذ ثلاث سنوات، ولكن بعد الحملة الشرسة التي شنتها قوات نظام الأسد والعدوان الروسي على ريف إدلب الجنوبي، منذ شهور، اضطرت المنظمة لنقل المركز من مدينة كفرنبل إلى قرية كلّي.
مديرة المركز مريم (اسم مستعار) تصف أم عبدو بأنها “امرأة نشيطة جداً ومخلصة في عملها، والجميع في المركز يحبها ويحترمها، فهي رغم تعبها دائمة الابتسامة”.
وتحدثت المديرة عن طبيعة العمل لديهم قائلة: “هنا في المركز نقوم بعمل دورات تدريبية بالإضافة إلى دورات توعية نفسية وصحية للفتيات والنساء اللواتي يسجلن في هذه الدورات، ومن الدورات التدريبية تعلم اللغة الإنكليزية، وأيضاً تعلم بعض المهن كمهنة الخياطة والنسيج ولف الشعر وتصفيفه للنساء والفتيات، كي تتقن الفتاة التي تتدرب في مركزنا مهنة تساهم من خلال ممارستها في أعباء المنزل، خصوصاً في ظل ارتفاع الأسعار المستمر”.
وأضافت المديرة: “نحن الآن بصدد تغيير طبيعة العمل هنا، وسوف تكون طبيعة العمل الجديدة في المركز دورات حاسوب وسكرتارية ودعم نفسي للطفل”.
وأوضحت: “السكرتارية هي رفع قدرات المتدربات حتى يصبحن مؤهلات لأي وظيفة يردن التقدم إليها في المستقبل، والحاسوب من أجل زيادة معلوماتهن بالعمل عليه، فالوظائف في الوقت الحاضر معظمها تحتاج إلى خبرة في العمل على الكمبيوتر ودعم نفسي للطفل، وقد قمنا بإحضار المعدات اللازمة لذلك، واستقدمنا مدربات لهذه الاختصاصات”.
وتقول المدربة هيام (اسم مستعار): “قبل مجيء أم عبدو إلى المركز كنت دائماً في حيرة من أمري أين أضع أولادي الصغار، ولكن عندما جاءت أم عبدو إلى المركز، طلبت إليها أن تعتني بأطفالي أثناء عملي فوافقت على ذلك، شكراً لك يا أم عبدو”.
وتقول المدربة عليا (اسم مستعار): “دورة السكرتارية من الدورات الهامة التي تؤهل الشابات الحاصلات على شهادة الثانوية العامة فما فوق أن يكن قادرات على الانخراط في سوق العمل ولديهن الخبرة الكافية في مجال الموارد البشرية ومهارات التواصل، بالإضافة إلى مهارات البرامج المكتبية على الحاسوب، وأيضاً يتعلمن من خلالها مهارة إدارة الوقت”.
ويعبر عبدو (25 عاماً) عن احترامه لأمه ويقول: “نحن نثق بأمي ونفتخر بها ولا يمكننا الاستغناء عنها أبداً فهي عمود المنزل وسنده بعد وفاة والدي، وفي الحقيقة أنا أشعر بالحزن عندما أرى التعب على وجه أمي، هي امرأة صبورة”.
بينما تقول زوجة عبدو: “أم زوجي هي بركة البيت وزهرته، وهي في مقام والدتي وخصوصاً في ظل النزوح، فوجودها بجانبي عوضني عن وجود أمي، أنا أحبها وأحترمها كثيراً”.
وتتمنى أم عبدو أن تنتهي الحرب في سوريا، وهي تتطلع إلى السلام، وتحلم بسوريا الحرة التي يعيش فيها جميع الناس حياة كريمة.
إعداد فريق: فرش أونلاين