عطاء.. من نزوح إلى نزوح ومن معلمة إلى مدربة
“اصنع معروفاً واغرس فكرة لا تيأس فالخير بنا فطرة”.
هذه الأنشودة أصبحت شعاراً ومنهج حياة لابنة مدينة تدمر عطاء القاسم، وهي امرأة في عقدها الثالث من العمر، نزحت من تدمر إلى الرقة ثم إلى إدلب، وتعمل حالياً مدربة في مراكز دعم المرأة في إدلب.
توفي زوج عطاء عام 2010 في جلطة دماغية ما دفعها للبحث عن عمل تعيش منه وتعيل أطفالها الأربعة وتشرح ذلك قائلة:
“بعد وفاة زوجي انتقلت للعيش مع أبي وإخوتي لأنه لا يوجد لي معيل بعد الله سواهم، وبعد أن جلست في منزلهم بدأت بالتفكير بالعمل لكي أعيل أولادي، ومن أجل ألا أكون عبئاً عليهم، وكنت في السابق قد حصلت على شهادة الثانوية قبل زواجي، ولكن لم تكن الظروف لصالحي لإكمال دراستي، فقررت أن أقدم على وكالة تدريس، وبالفعل قدمت وأصبحت معلمة وكيلة في إحدى ثانويات مدينة تدمر”.
ولكن راتب الوكالة كان قليلاً ما دفع عطاء لتطوير نفسها على أمل الحصول على فرصة أخرى وتقول:
“راتب الوكالة كان قليلاً جداً لا يكفيني، وكان طموحي أكبر من التدريس بوكالة، فقررت التقديم على شهادة الثالث الثانوي لأنه بمجموع الشهادة القديم لا أستطيع دخول أي فرع في الجامعة، لذلك في 2014 قدمت على الامتحان، وحصلت على مجموع يؤهلني للجامعة، وسجلت في كلية التربية في تدمر قسم معلم صف، ومع نهاية السنة الأولى دارت معارك بين داعش والجيش الحر وانتهت بدخول داعش إلى المدينة”.
وتشرح عطاء الأسباب التي أجبرتها على ترك مدينتها وجامعتها قائلة: “بعد دخول داعش إلى مدينتي بدأت مأساتي الحقيقية، أصبحنا نعيش حياة بدائية، لا كهرباء ولا ماء ولا مقومات حياة، ولكن رغم ذلك كنا نصبر ونعيش على أمل بأن القادم أجمل، ولكن أصبحت المدينة مدينة أشباح بعد رحيل سكانها بسبب الطيران الذي كان لا يفارق سماء المدينة، ومع نهاية ٢٠١٥ لم يبق أمامنا خيار سوى أن نرحل مثل ما رحل جيراننا وأصدقاؤنا من المدينة، ولكن لم يسمح لنا سوى بالرحيل إلى مدينة الرقة”.
وتتابع: “بعد ليلة عصيبة ومتعبة بسبب الطيران، قررت أن أذهب إلى الرقة مع أولادي وأخي وعائلته، خرجنا من المدينة على أمل العودة وجلسنا في مدينة الرقة لمدة ستة شهور وبعدها قررنا النزوح مرة أخرى إلى مكان أكثر أماناً، وهو محافظة إدلب، وبعد عدة محاولات تمكنا أخيراً من الخروج من الرقة والوصول إلى مناطق الجيش الحر، وكانت وجهتنا مدينة سرمدا في ريف إدلب الشمالي لوجود أقربائي فيها، وصلنا إلى سرمدا في حزيران عام ٢٠١٦”.
وفي سرمدا بحثت عطاء عن عمل، وتشرح ذلك قائلة: “سكنت مع أخي وعائلته وأختي وزوجها وأولادي في بيت واحد بسبب الأوضاع الراهنة، بدأت البحث عن عمل، ولكن لم أحصل على أي وظيفة لأنني لم أتخرج من الجامعة، لكن في عام ٢٠١٨ أعلنت منظمة أورنج عن تدريبات تعليمية ومهنية، قلت في نفسي لم أسمح لهذه الفرصة أن تفوتني، وذهبت إلى المجلس المحلي، وسجلت ووضعت أول رغبة في التدريبات تدريب الحاسوب لأن العمل على الحاسوب مطلوب في أي وظيفة”.
وتضيف: “وبعد فترة وجيزة تم قبولي في التدريب، وخضعت لتدريب الحاسوب واللغة الإنكليزية ومهارات حياتية لمدة ثلاثة شهور، وبعد الانتهاء من التدريب كان هناك منحة وظيفة لمدة ثلاثة شهور، ولحسن الحظ كان هناك شاغر في منظمة أورنج وهو مشرفة مركز تدريب للإناث، وقدمت على هذا الشاغر وتم قبولي”.
نجحت عطاء في عملها في التدريب وما زالت تعمل فيه وتقول: “بعد أن بدأت العمل مع منظمة أورنج كمشرفة مركز للتدريب لمدة ستة أشهر كنت من خلالها قد اكتسبت خبرة ومهارات جديدة من زملائي في العمل، ومع نهاية شهر شباط عام ٢٠١٩ انتهى عملي بسبب انتهاء المشروع، وبعدها قدمت على شواغر لكن لم يتسن لي فرصة عمل حتى الشهر السابع من عام ٢٠١٩، حيث بدأت العمل مع منظمة أورنج في مشروع جديد وهو مشروع ريادي لدعم المرأة”.
أم مصطفى وهي إحدى المتدربات لدى عطاء تقول: “كانت معرفتي بالآنسة عطاء خلال دورة للمشاريع، كانت هذه الدورة في مدينة كفرتخاريم، وكانت مدتها عشرة أيام، ومن خلال هذه الدورة عرفتنا على قصتها، فهي ناجحة في عملها وهادئة وأسلوبها مع المتدربات كان ممتازاً”.
وتقول أم عبد الله (اسم مستعار) وهي إحدى قريبات عطاء: “عطاء امرأة صبورة وطموحة، ودائماً تسعى من أجل أن تحصل على ما تريده، فهي رغم أنها لم تستطع إكمال جامعتها لكنها حققت شيئاً أكبر من الجامعة”.
وختمت عطاء مقابلتنا معها بالقول: “كنت خلال مسيرة عملي قد تركت أثراً جميلاً عند كل شخص عرفته خلال هذا المشروع أو ذاك ولآخر لحظة، والحمد لله على كل حال، وأتمنى أن تنتهي الحرب وأن أعود إلى مدينتي التي أفتخر بها لأتابع مسيرتي هناك، مدينة النخيل، عروسة الصحراء، تدمر”.
إعداد كادر “فرش أونلاين”