فضيلة المصطفى تجمع الحطب لتعيل عائلتها
غرفة صغيرة في منطقة جبلية بالكاد تتسع لعائلة أم محمد وتحتوي هذه الغرفة على طاولة من الحجر وضعت عليها بعض الأغطية الصوفية والوسادات، وبداخلها ملابس، وتفترش هذه العائلة الغرفة حصائر مهترئة بالكاد تقيهم برودة الأرض، تجلس أم محمد وابنتاها الشابتان بجانبها أمام الغرفة تحت أشعة الشمس ومن حولها أكوام من الحطب والأعواد، حيث يقمن بعزل كل نوع على حدة لتجهيزه للبيع.
فضيلة مصطفى (٤٢ عاماً) متزوجة منذ ٢٢ عاماً وتدعى أم محمد، أم لأربعة أولاد (صبيان وفتاتان) من قرية البلاط شمالي غرب ادلب، حيث يقطن أقل من 600 نسمة مع العائلات المهجرة من مناطق المعارك الدائرة في ريف ادلب الجنوبي.
كانت أم محمد تعمل مع عائلتها في مدجنة على أطراف مدينة معرة مصرين شمالي ادلب منذ أكثر من سنة، وتعيش حياة مستقرة وأحوالهم المادية متوسطة، وبسبب حملة قوات بشار الأسد والقوات الروسية على محافظة ادلب توقف صاحب العمل عن عمله، وبدأ بإخلاء المدجنة التي يملكها خوفاً من أن يطالها القصف الجوي لتعود هذه العائلة إلى قريتها الأصلية (البلاط).
تقول أم محمد: “بعد عودتنا من مدينة معرة مصرين بداية عام ٢٠٢٠م لم يعد لنا دخل نعيش منه وأصبح وضعنا المادي سيئاً لدرجة كبيرة وخاصة بعد أن ذهب زوجي للعمل مع الفصائل الثورية المناهضة لظلم بشار الأسد وروسيا، لم يخطر ببالي سوى جمع الحطب وبيعه، فقريتي فقيرة وتنعدم فيها فرص العمل، نحن في فصل الشتاء والجو بارد جداً والناس تحتاج لحطب التدفئة بشكل كبير”.
شرحت أم محمد كيف تقوم بهذا العمل المجهد: “في كل صباح أيقظ أولادي الأربعة فهم شبان صغيرهم ١٢ عاماً، وأقوم بتجهيز مجموعة من الأكياس بالإضافة فأس ومنشار ومطرقة ونتجه إلى الجبال سيراً على الأقدام مسافة ساعتين للوصول للمكان الذي يوجد فيه الحطب، ولعدم توفر وسيلة لنقل الحطب الذي نجمعه نصطحب دابة يمتلكها والدي، نحمل عليها ما نستطيع جمعه، وعند وصولنا يقوم أولادي بقلع جذور السنديان من بين الصخور، وأنا وابنتي نقوم بجمع الأعواد اليابسة المرمية على الأرض والتي قطعت مسبقاً ورميت ونعبئها في أكياس كبيرة”.
قطع حديثنا صوت امرأة خمسينية تنادي: “أم محمد أين أنت”، أجابتها أم محمد: “أهلاً وسهلاً أم عبدو تفضلي نحن هنا”، اقتربت وألقت التحية وقالت: “أم محمد أحتاج إلى كيس حطب أعواد يابسة لإشعال المدفأة، الحطب الذي امتلكه حديث القطع ويعذبني كثيراً حتى أستطيع إشعالها”، أجابت أم محمد: “تكرمي أم عبدو نحن نقوم بتعبئته الآن وبعد قليل أرسلي أحداً يأخذه”، شكرت أم عبدو أم محمد “أنت امرأة نشيطة وفقك الله يا ابنتي”، وغادرت.
تحدثنا أم محمد عن أنواع الحطب قائلة: “يختلف الحطب من نوع إلى آخر، فنحن نقوم بجمع حطب السنديان، كما يوجد في مناطق أبعد أنواع أخرى مثل حطب السويد والبقس والعبهر والميش بالإضافة لحطب الزعرور”.
وبالنسبة لأسعاره تقول أم محمد: “يختلف أيضاً سعر الحطب فالجذور يباع الكيلوغرام ب80 ليرة سورية أي ثمانية بنسات من الدولار، أما الأعواد اليابسة تباع بالكيس وليس بالكيلو وثمنه ١٥٠٠ ليرة سورية أي ما يعادل دولاراً ونصف، لكن الآن فقد قل طلبه وبدأ التجار يتلاعبون بالأسعار ويأخذونه بسعر أقل كون الجو بدأ يتغير ويميل للدفء، فقرر ولدي مواس (١٢ عاماً) تخزينه بالمنزل والبيع على الطلب هم يقومون بجمعه ونحن نعزله ونعبئه للبيع والذي يحتاج يأتي إلى هنا لأخذ حاجته الحمد لله”.
عادت أم محمد بذاكرتها للماضي وبدأت تصف حياتها بالمتعبة: “منذ زواجي ونحن نعيش على تعب أيدينا نعمل بالأجرة، وأين نجد عملاً نذهب ونغيب سنة وسنة ونصف حسب نوع العمل، وعند الانتهاء نعود إلى هذه الغرفة، فقد عملت بالزراعة والحصاد وقطف الزيتون بالإضافة للعمل بالمداجن في المدن القريبة مثل سرمين ومعرة مصرين حتى نال مني تعب السنين واضطررت لعمل جراحي للعمود الفقري (تثبيت فقرات)، فأنا احتاج للراحة لكن لا أستطيع أن أقف موقف المتفرج، وحالنا يسوء فلقمة العيش تحتاج لجهد وتعب للحصول عليها”.
تخرج ابنة أم محمد حاملة صينية فيها أكواب من القهوة الساخنة وتدعى نسرين (١٦ عاماً) متوسطة القامة نحيلة عيونها فيهما حور وبدأت الكلام قائلة: “أمي امرأة عظيمة، وباختصار هي بكفة والدنيا بكفة أخرى، أنا لا أريد سوى إعانتها كنت أنظر للفتيات من عمري كيف تختلف حياتهن، أشعر بالألم لسوء حالتنا لكن حين أساعد أمي وأرى ابتسامتها وهي تدعو لي أجد نفسي أغنى الناس”.
حينها دخلت امرأة وعرفت عن نفسها بأنها أخت أم محمد، حنطية اللون وقصيرة القامة تحمل طفلاً صغيراً بين يديها، وتدعى أم محمد أيضاً جلست معنا لاحتساء القهوة وطلبت من أختها “أريد كيسين من الأعواد اليابسة وخمسين كيلوغراماً من الجذور لجارتي أم حسام”، أجابت أم محمد: “تكرم عيونك حين يعود الأولاد أرسله لك ولجارتك أهلا وسهلا”.
أما والدة أم محمد وتكنى بأم أحمد (٦٠ عاماً) كانت تشجع ابنتها وتقول: “ابنتي صبورة ومجدة تخرج رغم برودة الجو وتحت المطر لتعمل وتؤمن لقمة العيش فمرارة الأيام جعلتها قوية وتعب السنين جعلها تعتمد على نفسها وأنا فخورة بها فقد عملت في الليل والنهار لتربية أولادها تربية صالحة والآن أصبحوا شباناً تستطيع الاعتماد عليهم”. أجابت أم محمد والدتها مبتسمة تغمر الدموع عينيها الصغيرتين: “صحيح أن العمل متعب ولكن تعب العمل أهون عليّ من الحاجة الناس وسأظل أعمل ما دمت أستطيع الوقوف على رجلي، لأكسب قوت يومي من عرق جبيني”، وبهذه الكلمات ختمت أم محمد حديثها متمنية أن يحل السلام ويعود الأمن والأمان لسوريا.