أم جنى.. من عمل موسمي إلى آخر لتساعد زوجها
أم جنى امرأة في عقدها الثالث نزحت منذ صيف عام 2019 من بلدة حيش في ريف إدلب الجنوبي إلى مدينة كفرتخاريم في ريف إدلب الشمالي بسبب حملة النظام وروسيا على محافظة إدلب والتي أدت إلى استشهاد آلاف المدنيين ونزوح نحو مليون شخص من ريف إدلب الجنوبي إلى مناطق آمنة نسبياً وخاصة إلى ريف إدلب الشمالي.
وتتحدث أم جنى عن رحلة نزوحها قائلة: “نزحت منذ شهر آب، لم نستطع استئجار منزل لأن وضعنا المادي لا يساعدنا، فوجدنا شقة غير مكسية على العظم، وقمنا بتنظيف الشقة وأصبحت مقبولة نوعاً ما، وجلست معنا في الشقة أخت زوجي وهي أرملة، وبعد أن استقرينا بدأنا البحث عن عمل لكي نعيش”.
وكان زوج أم جنى يعمل سابقاً في البناء، ولكن بعد النزوح لم يجد عملاً، وهو ما زاد إصرار أم جنى على البحث عن عمل خاص بالنساء غالباً من أجل مساعدة زوجها.
وفي البداية وجدت أم جنى عملاً في ورشة لصنع دبس الرمان وتتحدث عن ذلك قائلة: “علمت من إحدى الجارات عن سيدة تريد عاملات لفرط الرمان، ولكن حصرياً في منزلها، فقررت الذهاب والعمل في فرط الرمان وكانت الأجرة ألف ليرة سورية في اليوم الواحد، (وهو مبلغ قليل كان لا يعادل دولاراً ونصفاً آنذاك)، ولكن هذا العمل لم يدم سوى قرابة شهر واحد”.
وبعد انتهاء هذا العمل لم تقف أم جنى مكتوفة الأيدي وتقول: “صحيح موسم الرمان انتهى ولكن دائماً الرزاق موجود وحاشى أن ينسى مخلوقاً، فبعد انتهاء موسم فرط الرمان جاء موسم قطاف الزيتون في مدينة كفرتخاريم، فبدأت الذهاب أنا وزوجي ضمن ورشات قطاف الزيتون، وكان آجار اليوم الواحد 1200 ليرة سورية، والحمد لله على كل حال، واستمر هذا العمل شهرين”.
وتمضي أم جنى أيام النزوح في الانتقال من عمل إلى آخر وتقول: “لا يوجد لدي عمل ثابت ولا شيء يدوم على الإنسان، فبعد انتهاء موسم الزيتون وجدت عملاً في ترتيب وضغط الحفوضات في أحد المنازل من الساعة السابعة صباحاً إلى الثالثة مساء، وكان آجار الكيلو 150 ليرة سورية، وكنت أستطيع ترتيب ما بين خمسة إلى ستة كيلو في اليوم، ولكن هذا العمل لم يكن بشكل دائم، وإنما بعد نحو شهر انتهت الطلبية”.
وفي فصل الشتاء وجدت أم جنى عملاً آخر، وهذه المرة مع أحد الجيران الذي يذهب بسيارته إلى الجبال المجاورة لجمع الحطب وبيعه، حيث تذهب معه أم جنى وتساهم معه في دفع ثمن وقود السيارة (المازوت)، وتتحدث عن ذلك قائلة:
“عندما حل الشتاء علينا لم نجد سوى الذهاب إلى الجبل مع جارنا أبي محمد، فهو يملك سيارة ونذهب معه ونقوم بجمع الحطب من أجل التدفئة عليه، ونجمع زيادة عن حاجتنا من أجل بيعه، فكل صباح نستيقظ ونذهب إلى الجبال القريبة من كفرتخاريم ونقوم بجمع الحطب ووضعه في السيارة، وعندما تمتلئ السيارة نعود إلى المنزل ثم نقوم بنشره وتقطيعه ووضعه في أكياس ليصبح جاهزاً للبيع”.
وبينما كنا في تلك الغرفة الصغيرة المليئة بأكياس الحطب وأكوامه من زنود وقرم وأعواد وجذور، شرحت لنا أم جنى معاناتها في جمع الحطب قائلة:
“جمع الحطب في أيام البرد صعب جداً، وأحياناً تهطل الأمطار علينا وتسبب توحلاً في الأرض ونضطر إلى العودة إلى المنزل دون جمع كمية كافية من الحطب حتى نعوض المال الذي ندفعه للسيارة، وفي كل يوم أذهب فيه إلى جمع الحطب يبقى قلبي عند ابنتي الوحيدة التي لا تتجاوز الأربع سنوات، لأنها تبقى عند بنت عمتها التي تبلغ من العمر ثماني سنوات”.
أم عبدو (40 عاماً)، وهي جارة لأم جنى، تقول: “أم جنى امرأة مجدة في كل عمل تقوم به، وهي تستيقظ من الصباح وتذهب إلى جمع الحطب، قسم للتدفئة عليه وقسم آخر لبيعه، ولديهم زبائن يأتوا إلى الشقة لشراء الحطب، لأن أغلب الناس يقومون بالتدفئة على الحطب هذه الأيام، وأنا أقوم بوضع قليل من الحطب في البداية لكي أقوم بتشغيل النار، وعندما تشتغل النار بشكل جيد أقوم بوضع الفحم، لأن حالتي المادية لا تسمح لي بالتدفئة على الحطب فقط، لأن الحطب أغلى من الفحم، ولكن الحطب ضروري عند التشغيل”.
أم جنى تحمد الله دائماً وتتمنى الحصول على عمل دائم يغنيها عن التنقل من عمل موسمي إلى آخر وتقول:
“حياتنا قاسية في ظل هذا النزوح، نسأل الله أن يفرج علينا وأن تنتهي هذه الحرب ويعم الأمن والرخاء على سوريا بلا استبداد وبلا فساد”.
إعداد: فريق “فرش أونلاين”