رقية تعمل مستخدمة في مشفى لتعيل أسرتها
في صيف عام 2019 وبسبب هجوم نظام بشار الأسد وروسيا على إدلب، نزحت رقية المواس (43 عاماً) من مدينة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي إلى مخيم الهلال القريب من بلدة دير حسان في ريف إدلب الشمالي والمؤلف من نحو مئة خيمة.
وتكنى رقية بأم محمد، وهي تعمل مستخدمة في مشفى كفرنبل الجراحي الذي انتقل بدوره إلى بلدة أرمناز في ريف إدلب الشمالي.
ورقية هي أم لسبعة أولاد، أربعة ذكور وثلاث إناث، وتتحدث عن صعوبة عملها خلال النزوح قائلة:
“بعد معاناة طويلة مع النزوح والتهجير وانتقالنا من مكان إلى آخر في الشمال السوري، واستقرارنا أخيراً في هذه الخيمة الصغيرة، صممت على متابعة عملي كمستخدمة في مشفى كفرنبل الجراحي رغم طول المسافة بين دير حسان وأرمناز (نحو خمسين كيلومتراً)، لأنني أملك هدفاً في الحياة، وهو ألّا أدع أسرتي بحاجة أحد، وصحيح أنني اضطر للمبيت في المشفى مدة ليلتين في الأسبوع، ولكن كل شيء يهون في سبيل تأمين حاجيات أسرتي، وراتبي من المشفى 175 دولاراً، وهو جيد والحمد لله”.
وتشرح أم محمد طبيعة عملها في المشفى قائلة: “أقوم بتنظيف المشفى وتعقيم غرف العمليات، وأنا سعيدة بعملي لأنه إنساني ومن خلاله أستطيع مساعدة المرضى بتنظيف حاجياتهم وأسرّتهم، فجلّ ما أرجوه هو أن أرى كل مريض معافى وبصحة جيدة، وأتمنى لو أستطيع تخفيف معاناتهم وأنّاتهم التي تمزق قلبي حزناً عليهم، وخاصة أولئك المبتورة أطرافهم”.
عادت أم محمد بذاكرتها إلى الماضي، لتتحدث لنا عن تنقلها من عمل إلى آخر قبل أن يستقر بها المطاف في مشفى كفرنبل، وقد بدت على وجهها معالم الحزن، وتقول:
“بعد انشقاق زوجي عن عمله في سلك الشرطة، حيث كان يعمل في مخفر بمدينة دوما بريف دمشق، وذلك في الشهر السابع من عام 2012، بحث عن عمل يمكنه من إعالة أسرته، فلم يجد إلّا العمل بتقطيع الحطب، وهذا العمل شاق ومتعب، ولكنه مجبر على العمل فلديه أسرة كبيرة، ولسوء الحظ بعد فترة من عمله أصيب بمرض السكر وحمض البول، فأصبح غير قادر على ممارسة العمل الشاق”.
وتتابع: “عندما وجدت أن الأبواب أغلقت في وجه زوجي وأصبح غير قادر على العمل الشاق قررتُ مساعدته، فقمت بشراء البسكويت والشيبس وأشياء أخرى يحبها الأطفال، ووضعتها على بسطة صغيرة متنقلة، وأصبحت أقف بها بجانب المدرسة في أوقات الدوام المدرسي، وأبيعها للتلاميذ وكان إقبال الأطفال على الشراء منها جيداً، واستطعت من مردود هذه البسطة البسيطة تأمين بعض حاجاتنا”.
ولأن مردود البسطة لم يكن كافياً لتأمين كل حاجات الأسرة قررت أم محمد البحث عن عمل آخر، وتقول:
“هممت بالبحث عن عمل آخر أتمكن من خلاله من تأمين احتياجات المنزل المتعددة، وعلمت من إحدى الصديقات أن روضة عائشة أم المؤمنين في كفرنبل، والتي تدعمها جمعية التعاون الخيرية، بحاجة إلى مستخدمة، فتقدمت بأوراقي إلى إدارة الروضة، وبالفعل تم قبولي للعمل كمستخدمة فيها، وبعملي الجديد تحسنت حالتنا المادية قليلاً”.
قطع حديثنا دخول شابة، تحمل صينية عليها كؤوس تحتوي على شراب الورد الساخن، ملأت رائحتها الشهية المكان، عرفت أنها هالة (21 عاماً) زوجة ولدها محمد، قدمتها لنا وجلست تصغي إلى حديثنا، ثم داخلتنا الحديث قائلة:
“والدة زوجي دائماً تفعل كل ما بوسعها لتكون سنداً لأسرتها، لأن والد زوجي مريض ولا يستطيع العمل، ونحن جميعاً نقدر لها ذلك”.
صوت امرأة تنادي أم محمد، فأجابتها أم محمد: “تفضلي أهلاً ومرحباً بجارتي العزيزة أم أحمد”، وعندما دخلت تبين أنها جارتها السابقة قبل النزوح وجارتها هنا في مكان نزوحهما، ويبدو أنها في الأربعين من عمرها، وقالت مثنية على أم محمد:
“أم محمد جارتي منذ زمن بعيد، وهي بمثابة الأخت لي، وهي امرأة قوية وصبورة تتحمل كل الصعاب في سبيل راحة أسرتها”.
شاركنا الحديث أبو محمد (46 عاماً)، والذي كان مستلقياً في فراشه بسبب مرضه، وأراد أن يعبر عن شكره لزوجته قائلاً:
“أنا ممتن لأم محمد كثيراً، فقد فعلت المستحيل من أجل ألّا تدعني أواجه نوائب الدهر وحدي، وخصوصاً بعد إصابتي بالمرض، فهي دائماً تقف بجانبي، والحمد لله نحن الآن لا نحتاج أحداً”.
جل ما تتمناه أم محمد أن تعود لمدينتها كفرنبل، وأن يعود الأمان لوطنها سوريا، وأن يعم السلام في كل مكان، وتقول:
“يجب على كل امرأة أن تساهم في مساعدة أسرتها وألا تكون عائقاً، فالحياة صعبة ويجب أن نواجهها في كل الظروف حتى نستطيع التغلب عليها”.
إعداد: فريق “فرش أونلاين”