أم محمد تعمل في محل تجاري لبيع الملبوسات لتعيل أطفالها
أم محمد (اسم مستعار) أرملة من قرية الغزالة بريف ادلب الشمالي عمرها 36 عاماً تعمل في محل تجاري لبيع الألبسة والإكسسوار في مدينة عزمارين، وذلك في تحدٍ كبير لظروف الحياة القاسية التي تعيشها الأرامل في سوريا، تقول أم محمد:
“توفي زوجي منذ أربع سنوات إثر نوبة قلبية، واضطررت للعمل لتربية أولادي، فهم صغار ولا أستطيع الاعتماد عليهم، وهم بحاجة لكثير من الاحتياجات، كنت أجد صعوبة بالبحث عن عمل كوني لم أعمل في السابق، فزوجي كان هو المعيل الوحيد لنا وهو من النوع الذي يرفض عمل المرأة”.
تقع قرية الغزالة تحت سيطرة الفصائل الثورية شمالي البلاد ونزح إليها بعض من سكان ريف ادلب الجنوبي.
شرحت أم محمد كيف بدأت البحث عن عمل بعد انتهاء مدة العدة حتى مضت الأيام وبدأت العمل ببيع الملابس وهي تتنقل من عمل لآخر علها تجد السبيل لتعيل أسرتها متحدثة:
“بعد وفاة زوجي افتتح أخي دكاناً لبيع البالة وطلب مني العمل معه، وبعد مضي ثلاثة أشهر قام أخي بنقل محله إلى القرية واضطررت لترك العمل بسبب المسافة وصعوبة التنقل، فلم أجد سوى نسج الطواقي الحريرية لكن كان أجرها قليلاً ولا يكفي ثمن الخبز، لتأتي إحدى جاراتي وتخبرني أن إحدى المنظمات أطلقت عدة دورات تدريبية مدة ثلاثة أشهر، قمت بالتسجيل وتعلم مهنة الخياطة، وبعد انتهاء المدة قدمت لنا المنظمة مبلغاً من المال كان جيداً ساعدني بمصروف المنزل لفترة”.
عملت أم محمد فترة قصيرة مستخدمة في مركز صحي وتركته لظروف خاصة وتقول: ومن خلال عملي مستخدمة تعرفت على صاحبة محل تجاري لبيع الملبوسات وأصبحت صديقة مقربة لي، قررت مساعدتي وطرحت علي فكرة العمل معها في المحل، كنت أجد العرض بمثابة فرصة جيدة لأعيل نفسي وأولادي، ووافقت على العرض وبراتب شهري ٢٥ ألف ليرة سورية وهي لا تسد جزء بسيط من احتياجاتنا لكن الحمد لله رب العالمين”.
يقاطعنا الحديث دخول إحدى الزبونات لشراء الملابس والإكسسوار كل خمس دقائق، وخاصة أن العيد اقترب والناس تشتري ثياباً جديدة لأطفالها.
دخلت طفلة صغيرة بشعرٍ أسودٍ مجدول على كتفها تبلغ العشر سنوات وتدعى ربا وتقول: “خالتو تسلم عليك ماما وتقول لك هل أحضرت بضاعةً جديدةً”، أجابتها أم محمد: “غداً بإذن الله سوف نجلب بضاعة جديدة تستطيع أمك القدوم غداً مساء لشراء ما تحتاج”.
تكمل أم محمد حديثها “في كل يوم استيقظ للدكان من الساعة الثامنة صباحاً وأبقى حتى الساعة الثانية ظهراً، أقوم بتنظيفه وترتيبه واستقبال الزبائن وبيعهم، كنت أجد الراحة، رؤية الناس والتعامل معهم يجعلني أنسى الهموم التي تعترضني”.
تقاطعنا الحديث زبونة أخرى تدخل وتلقي التحية وتقول: “اشتريت البارحة بنطالاً وقميصاً لحفيدتي الصغيرة، وتفاجأت أن المقاس غير صحيح وأريد تبديل القطع على ثوب بدلاً منهما”، أجابتها أم محمد مبتسمة: “أهلاً وسهلاً أم هشام جيد أنك أتيتي في وقت مبكر، فهذه الأيام هي أيام أعياد والمبيع جيد ولا يجب تأخير الثياب، أدخلي وأنظري ما تريدين وتكرم عيونك”.
شكرت أم هشام أم محمد وقالت: “الله يعطيك العافية ويرزقك أنت امرأة نشيطة، وصبورة، وحسنة المعاملة، وأنا أحب التعامل معك”.
شكت أم محمد سوء الحال وصعوبة المعيشة في ظل انخفاض قيمة الليرة السورية قائلة: “إن الأجر قليل، ومع ارتفاع الدولار بات لا يكفي ثمن الخبز، فقررت مساعدة نفسي وبدأت التعامل مع بعض التجار لإعطائي كمية من الملابس والإكسسوار وبيعها في فترة راحتي بالمنزل، علني أجد مردوداً جيداً يساعدني مع ما أجنيه من عملي خارج المنزل، وبالفعل بدأت العمل منذ فترة عشرين يوماً، والحمد لله لا أريد سوى سترة الحال، لكن المشكلة الوحيدة التي تواجهني هي تطرف منزلي عن المدينة والبيع يقتصر على شراء الجيران والأقارب”.
وعند حلول الساعة الثانية دخلت إخلاص (45عاماً) صاحبة المحل لتستلم الفترة المسائية من أم محمد، والتي ألقت التحية وجلست قائلة: “الله يعطيك العافية أم محمد، أنت امرأة قوية ونشيطة، وأنا أستطيع الاعتماد عليك”، وتضيف: “أم محمد أمينة ووفية تساعدني كثيراً، والله يقدرني على مساعدتها”.
واختتمت أم محمد حديثها: “لم أعد أرغب سوى برؤية أطفالي حولي سعداء، وأن يتموا دراستهم، فهذه السنة لم يكملوها بسبب ظروف الحرب وفيروس كورونا، معظم الأولاد يكملون دراستهم عن طريق الإنترنت، أما أولادي لا يستطيعون لعدم توفر تغطية الانترنت في المنزل، والله يفرجها بانتهاء هذه الأزمة وعودة سوريا لاستقرارها”.
إعداد: كادر موقع فرش أونلاين