تيماء تعمل في محل لبيع الألبسة النسائية بعد وفاة أبيها
جدار زجاجي (جام) لأحد المحلات التجارية في مدينة إعزاز يعكس مجموعة من الحجابات النسائية الزاهية الألوان والأشكال وغيرها من أدوات التجميل، وداخل المحل طاولتان متعاكستان فيهما جوارب ومستلزمات عرائس، وفي زاوية من الزوايا مجموعة اكسسوارات متنوعة الأشكال والألوان لتناسب جميع أذواق النساء.
“أهلاً وسهلاً أختي، ما هو طلبك؟”.
هكذا استقبلتنا تيماء (25 عاماً) التي لم تتمكن من إكمال دراسة الثانوية العامة، وتعمل منذ نحو سنتين في هذا المحل المخصص لبيع الألبسة النسائية وأدوات التجميل.
وتعيش تيماء مع أمها وإخوتها الثلاثة الأصغر منها سناً في مدينة إعزاز قريباً من المحل.
وتقع مدينة إعزاز في ريف حلب الشمالي، ويبلغ تعداد سكانها قرابة 70 ألف نسمة، وهي تخضع لسيطرة الفصائل الثورية، وتنتشر محلات الألبسة انتشاراً واسعاً فيها، وسط تراجع ملحوظ في إقبال الأهالي على هذه المحلات، في ظل ظروف اقتصادية متردية تمر بها البلاد، ما جعل كثيراً من الناس يفضلون الذهاب إلى محلات الألبسة المستعملة (البالة) لشراء حاجاتهم.
وتقول تيماء إن سبب تركها الدراسة واختيارها العمل هو استشهاد والدها، حيث أصبحت بعد وفاته مضطرة للعمل والاعتماد على نفسها ومساعدة أمها وإخوتها في مصروف الأسرة.
واستشهد والد تيماء في إحدى غارات التحالف الدولي ضد “داعش” على مدينة إعزاز عام 2017، بينما كان يعمل في سيارته بنقل الركاب ضمن المدينة.
وبقيت تيماء بعد وفاة أبيها بلا عمل قرابة سنة، ثم قررت أن تعمل في ذلك المحل التابع لأحد أقربائها وتقول:
“قبل وفاة أبي لم نكن نحتاج أي شيء وكنا ميسوري الحال وكان أبي يحاول دائماً ألا ينقص علينا أي شيء، وكان كل ما يهمني هو متابعة دراستي، ولكن بعد استشهاد والدي وتعرض سيارته لتلك الغارة لم يعد لدينا أي مردود مالي، وبحكم أنني أكبر إخوتي سناً توجب علي العمل”.
وتضيف: “لم أجد عملاً كالتدريس في الروضات وما شابه، فكلما أذهب إلى أي روضة كانوا يطلبون مني شهادات لا أمتلكها، فقررت بداية أن أعمل في تدريس أطفال حارتنا ضمن منزلنا، ولكن بسبب الدخل البسيط الذي عرضه أهل هؤلاء الأطفال لم أقتنع بذلك العمل، وكان علي البحث عن عمل غيره، ثم طرحت أمي فكرة على جارتنا أم حسام (40 عاماً) بأن تتكلم مع زوجها لكي أعمل في دكانهم مقابل أجر بسيط في البداية، واتفقنا على أنه إن تمكنت من المواظبة على عملي في الدكان وأصبحت قادرة على جذب الزبائن بطريقة لبقة فإن أبا حسام سيزيد أجرتي”.
وشرحت لي تيماء عن عملها في الدكان قائلة: “استيقظ كل يوم صباحاً وأذهب للدكان وأقوم بتنظيفه وترتيب القطع التي ستباع، وكنت قد قمت بتسجيل أسعار كل قطعة في دفتر من أجل أن أحفظ سعر كل واحدة على حدة، ولم يكن عملي مقتصراً على البيع فحسب، وإنما أقوم أيضاً بتسجيل كل ما ينقص الدكان”.
وتأخذ تيماء من صاحب المحل قرابة ألفي ليرة سورية في اليوم الواحد كأجرة وتقول: “الحمد لله ارتحت في هذا العمل وأصبح لدي مردود جيد وأحاول أن أعين به أمي وإخوتي، وقد أعلمني أبو حسام بأنه سيزيد أجرتي لاحقاً”.
وتعاني تيماء في عملها من عدم استقرار سعر صرف الليرة السورية وتدهورها المتواصل، إذ وصل سعر الدولار الواحد إلى 1900 ليرة سورية، ما أدى إلى تراجع كبير في الطلب على شراء المنتجات النسائية، فكثير من المنتجات تضاعف سعرها بالليرة السورية عدة مرات دون زيادة مكافئة في دخول السكان في إعزاز بشكل خاص وفي كل أنحاء سوريا بشكل عام.
وبينما كنت أتحدث مع تيماء فتحت باب الدكان فتاة في العشرين من عمرها ومعها أمها وعلى ما يبدو أنها تريد شراء بعض الأشياء من أجل زفافها، وبعد إلقاء التحية طلبت من تيماء مجموعة واسعة من المكياجات والعطورات والاكسسوارات وغيرها، وبدا لي أن تلك الفتاة هي زبونة دائمة للمحل خاصة أن تيماء بادرت إلى مراعاتها في الأسعار قدر الإمكان.
وتصف أم جهاد (48 عاماً) وهي أم تيماء عمل ابنتها قائلة: “استطاعت ابنتي تيماء أن تعمل في هذا الدكان وتحمل مسؤوليته، وأنا أعتمد عليها في كثير من الأشياء”.
وختمت تيماء حديثها قائلة: “كل ما أتمناه هو بقاء أمي وإخوتي سالمين وأن يعم الأمن والاستقرار في كل مكان في سوريا، وسوف أكمل دراستي إن شاء الله لاحقاً فأنا أحب مهنة التدريس”.
إعداد فريق “فرش أونلاين”