لم يبقَ من منزلي سوى الركام
مصيبتي لم تكن أقل من مصيبة غيري، فكل امرأة تعيش في ظل الثورة في سوريا معاناتها تختلف عن الأخرى، فأنا وزوجي كنا نخطط عمرنا لنبني أسرة ومنزلاً أجمع به عائلتي.
ولدت في مدينة “اللطامنة”، كبرت وتزوجت وصار لي عائلة تتألف من ست بنات وخمسة صبيان، كبروا أمام عيني أرى فيهم الأمل والحياة، لكن لم تكتمل فرحتي بهم فلدي أربعة منهم ابنتان وولدان لا يرون بأعينهم، يعانون الإعاقة، ففي صغرهم يرون بشكل ضعيف كلما كبروا فقدوا نظرهم، زوجت أولادي جميعهم إلا ابنتي الضريرتين.
نملك أرضاً زراعية نعيش على ما نجنيه منها، ويعمل أولادي فيها دون تفرقٍ بينهم، كنت سعيدة بهم وأدعوا الله أن يحفظهم، حتى بدأت الثورة ومضى عليها ثلاث سنوات، ونحن نعيش في خوف وقلق بسبب كل ما يجري والطيران يجعلنا في خوف مستمر، ومع اقتراب شهر رمضان كثف الطيران غاراته وخاصة الطيران المروحي، فقد كان يأتي بعد حلول الليل في كل يوم ليلقي علينا براميله المتفجرة.
لننزح يومياً بعد وجبة الإفطار في شهر رمضان، ونخرج إلى الأرض ونبقى فيها حتى الصباح ونعود للمنزل، حتى ذلك اليوم وبعد أن انتهينا من فطورنا وجهزنا أنفسنا وخرجنا، اتصل أحد أقربائنا بولدي بعد دقائق من وصولنا ليسأل إن كنا بخير، وعندها علمنا منه أن برميلاً متفجراً سقط في المنزل بعد خروجنا بدقائق، حينها عدنا لنرى ما حل في المكان، وكانت المفاجأة كبيرة، منزلي وكل ما جنيناه في هذا العمر من تعب أصبح ركاماً، جلست على الأرض أنظر حولي، وأتأمل المكان قبل دقائق كنت جالسةً فيه وأحفادي وأولادي من حولي، والأن لم يبقى من منزلي سوى الركام، أحمدُ الله أن عائلتي بخير، لكن الحزن ملأ قلبي والدموع تسيل من عيني وأفكاري مشتتة، أين نذهب ونحن سبع عائلات؟ أصبحت في حيرة من أمري ولم أجد سوى مدينة كفرنبل حيث لدينا بعض الأصدقاء فيها.
نزحنا إلى مدينة كفرنبل جنوب إدلب، وجلسنا في منزل أصدقائنا بضعة أيام حتى نجد منزل، وعندما وجدنا منزل لم يكن جاهز للسكن، وصاحبه أجره لنا مدة سبعة أشهر فقط، وعلينا البحث على منزل آخر، وفعلاً وجدنا منزل أرضي، صاحبه مازال في نظام الأسد وتركه وغادر المدينة، لكن المنزل لا يوجد فيه سوى الجدران والسقف أرضه تراب لا يوجد فيه نوافذ ولا أبواب، قمنا بتجهيز أشياء بسيطة تجعلنا نستطيع البقاء فيه، وبالكاد يتسع لعائلتي، نعيش فيه حتى الأن ومضى علينا سنتين ونصف، فأولادي يذهبون بتناوب إلى الأرض ليعملوا فيها، حتى نستطيع تلبية حاجتنا رغم الخطورة التي تواجههم هناك من القصف.
أما الاستقرار الذي نعيشه هنا لم يكتمل، فبعض الجهات المتزعمة جاءت وتريد اخراجنا، وهنا كان السؤال الذي حيرني، أين نذهب فعائلتي كبيرة، وأكثر ما أوجعني أن من يريد اخراجنا هم من أبناء مدينتي، وأعطونا مهلة للخروج أربعة أيام ولا نعرف أين نذهب.