عدنا شوقاً للوطن والأهل
لقد ساءت الحياة بعد اندلاع الثورة في بلدي سوريا، والتي قابلها النظام منذ بدايتها بالرصاص الحي والعنف، أصبح الناس يعانون من الخوف والغلاء وانعدام الأمان، لقد كانت عائلتنا من ضمن الناس الذين عانوا من مرارة الوضع، فعندما تركنا منزلنا الصغير الذي كان يأوينا في مكان عمل زوجي وتوجهنا إلى مدينتنا كفرنبل، التي لم يكن لنا فيها مأوى ولا عمل، حينها كنت حاملاً في الشهر السابع، وعند وصولنا مكثنا في منزل أهلي الذي كان يغص بساكنيه حيث أن إخوتي كانوا قد انشقوا عن النظام وسكنوا في منزل أهلي مع عائلاتهم.
أمضينا بعض الوقت معهم إلى أن استطعنا أن نستأجر غرفة صغيرة وأمضينا فيها شهراً من الزمن، لم يكن زوجي يمتلك عملاً وكانت حالتنا المادية سيئة جداً، لم نكن نمتلك أدنى مقومات العيش، بالإضافة إلى كل هذه المعاناة كان أولادي كلما سمعوا صوت طائرات النظام وهي تقصف المنازل بشكل عشوائي كانوا يبكون من شدّة الخوف، بحث زوجي عن عمل ولكن بسبب كثرة الناس الذين انشقوا عن النظام وعادوا إلى المدينة لم يستطع تأمين عمل، كان يكتم الحزن والهم بداخله لأنه لا يستطيع جلب المال لتأمين متطلبات العائلة.
ذات يوم وقع زوجي أرضاً وبعد أخذه إلى المشفى علمنا أنه أصيب “بجلطة”، وبعد أسبوع من مرض زوجي ولدت طفلي السادس، وازداد الوضع سوءً حيث حل الدمار والخوف وقلة الأمان بسبب طيران النظام الذي كان يقصف المدنيين دون رحمة.
عندها قررنا الذهاب إلى تركيا التي كان الناس ينزحون إليها هرباً من الوضع المعيشي السيء، عندها أصبح عمر ولدي عشرين يوماً حزمنا أمتعتنا وركبنا السيارة مع بعض العائلات وتوجهنا إلى أطمة الحدودية، وعند وصولنا مكثنا في خيمة فارغة جلست مع أطفالي داخل الخيمة، وكان المطر يتساقط لم يكن هناك ماء ولا كهرباء ولا أي مقوم من مقومات الحياة لقد كان الوضع سيئاً جداً حيث أمضينا خمسة أيام.
بعدها استطعنا الدخول إلى تركيا مع عائلة أخرى، وبعد دخولنا وقفنا عند باب مخيم وانتظرنا لساعات، على أمل إدخالنا إليه وعند المغيب أدخلونا كنت أحمل طفلي الصغير الذي كان يبكي من الجوع حيث كان يحتاج الحليب الذي لم يكن متوفراً لدينا، وأمضينا الليلة في مكان يطلق عليه (هنكار كبير) مع بعض العائلات وأمضينا شهرين متتالين في هذا “النهكار” وكان زوجي يكمل علاجه في المستشفى التركي.
كان الشتاء قاسياً وشديداً، وبعد عناء طويل تمكنا من الحصول على خيمة مستقلة لنا، حيث كانت بمثابة بيت صغير لنا.
عانينا كثيراً في المخيم وخصوصاً في فصل الشتاء وبعد ثلاث سنوات من المعاناة، وجد زوجي عملاً في دكان صغير داخل المخيم وبعد سنة من عمله تم نقلنا من الخيم إلى “الكرفانات” أمضينا تسعة أشهر في الكرفانة، أمضينا تلك المدة ونسينا ما عانينا في الخيمة.
لكن الحنين إلى الأهل والوطن كان يزيد في قلوبنا فالغربة صعبة ولا أحد يستطيع وصف الشعور بالغربة إلا من عاناها، عندها قررنا العودة إلى بلدنا رغم خطورة الوضع هناك، ولكن لم نعد نستطيع تحمل الغربة والبعد عن الوطن والأهل أكثر من ذلك، عدنا إلى بلدنا الحبيب، راجين الله تعالى أن يفرج عنا الهم والكرب والحزن، وعن جميع أبناء وطننا الغالي.
(وفاء المحمد)