غرق ولدي كسر ظهري
اسمي “إسلام” متزوجة ولديّ خمسة أولاد، وتعد عائلتي أغلى ما أملك بعد أن أجبرنا القصف المستمر على النزوح من مدينتنا اللطامنة إلى قرى عدة بعد أن دمر الطيران منزلنا، كانت مصيبتي كبيرة بفقدان منزلي، ولكن كنت صابرة لأن عائلتي بخير وأولادي بجانبي، وأخيراً استقريت في مدينة كفرنبل المحررة، والتي اعتقدت أنها الملجأ الذي سيحميني أنا وعائلتي.
كنت سعيدة في كفرنبل رغم سوء المنزل الذي أعيش فيه، فهو يفتقر لكثير من متطلبات الحياة، لكن لم يكن هناك تأثير على حياتي فأولادي يذهبون إلى المدرسة، وزوجي يتناوب في الذهاب إلى مدينتنا اللطامنة للعمل مع إخوته في الزراعة، فهم يملكون أرضاً يزرعونها ونعيش على ما نكسبه منها، كنت أحس بالأمان مع عائلتي في هذه المدينة، وخوفي كان دائماً فقط على زوجي أثناء ذهبه من الطريق والقصف المستمر هناك حتى يعود وأطمأن عليه.
وبعد مضي سنتين على هذه الحال من الطمأنينة، ليأتي هذا اليوم الذي جعل حياتي تنقلب رأساً على عقب، ذلك اليوم الذي اضطررت فيه للخروج من المنزل لإعطاء ولدي الكبير حقنة لإصابته بالحمى في الصيدلية القريبة من المنزل، وذلك بعد أن طلبت من أطفالي البقاء بالمنزل عند جدتهم وعائلة عمهم حتى عودتي.
عدت وهنا كانت المفاجأة، كلما اقتربت من المنزل كان يتضح لي تجمع الناس بقرب المنزل، بدأت بالإسراع في خطواتي لأرى ما الذي جرى، وعند وصولي إليهم وجدت عم أولدي يحمل ولدي أحمد بين يديه البالغ سبع سنوات بين الحياة والموت، بدأت أصرخ ما الذي أصابه؟ فقلبي بدأ يخفق بسرعة، وكل ما أفكر به إسعاف ولدي إلى أقرب مشفى، لكن لم نصل إلى هناك إلا كان ولدي قد فارق الحياة ودموعي تسيل وأسئلتي كثيرة ماذا جرى حتى فقدت ولدي؟
عرفت لاحقاً أن ولدي كان يلعب مع أخيه الصغير في بيت مجاورٍ لنا ودون وعيٍ منه سقط في بئر الماء، دون أن يعرف أخاه ما جرى فعاد إلى المنزل وعند سؤال عمه له عن أحمد قال له:” إن أحمد اختبأ”، هذه الإجابة جعلته يشك فذهب ليرى أحمد أين يختبئ، وكانت المفاجئة أن البئر مفتوح، وأحمد غير موجود وهذا ما أخافه، فقرر النزول وعند نزوله بدأ يضيء ليتفاجأ بطفل في الماء لا يتحرك، أخرجه بسرعة بعد أن فارق الحياة.
حملت أحمد بين ذراعي والبكاء من حولي، وطلبت منهم أخذي لدفنه في مدينتي اللطامنة، ليكون قبره قريباً مني بعد عودتي، فلا أريد دفه هنا ويأتي يوم يصبح بعيداً عني، ومن أجل أن يودعه والده الذي لم يعلم بوفاة طفله، غادرنا رغم خطورة الطريق الذي يُقصف باستمرار، وعند وصولنا تفاجأ زوجي بقدومنا بعد منتصف الليل، وبدأ يسأل ما الذي جاء بكم؟ ليجيبه أخاه: “جلبنا لك أحمد الذي توفي غرقاً في بئر الماء”.
أصابته الصدمة ولم يتكلم وبعد دفنه طلب العودة مباشرة إلى كفرنبل للاطمئنان على أطفالنا ورؤيتهم علَه يرتاح، عدنا لكن قلبي لم يعد يحب المكان، أجلس في المنزل وأفكاري مشتتة، كيف أستطيع الخروج لقضاء أي شيء، فالخوف سكن بداخلي، فأجمع أولادي بقربي دوماً وأبقا معهم، ولا أريد الخروج لأن غرق ولدي كسر ظهري.
“تغريد العبد الله”