ما كسر ظهري فقدان ولدي في غياب زوجي
تغريد العبدالله (كفرنبل، ادلب)
زوجي هو ابن خالتي مدرس للغة الإنكليزية، نعيش في منزل لنا في قرية البارة بجبل الزاوية، رزقنا الله بأربعة صبيان وطفلتين، زوجي كان من المتحمسين للثورة مع بدايتها ومن الداعمين لها والذي يهتف للحرية وإسقاط نظام الأسد في جميع المظاهرات، وهذا ما جعله من الملاحقين وخاصة بعد دخول الجيش إلى جميع القرى والمدن، كنت في خوف دائم عليه فهم يداهمون المنزل دائماً ويسببون الخوف والذعر بين أطفالي الذين يجلسون في زاوية المنزل دون حراك حتى يغادر الزبانية، الأمر الذي دفع زوجي للانتقال من قرية إلى أخرى.
عندما نريد رؤيته كان علينا الخروج من القرية ليلاً إلى مكان وجوده حيث يرسل لي من يأخذني إليه، ونتعرض للخطر والخوف فالحواجز المطلة على الطريق تطلق النار عند رؤية أي ضوء وهذا يجعلنا عرضة للخطر أثناء ذهابنا، وبعد مضي فترة على هذا الحال، بدأ ولدي الكبير “صالح” يشكو ألماً في بطنه لم أتوقع أنه شيء خطير.
صالح يبلغ من العمر خمسة عشر سنة طفل هادئ ليس له مشاكل محبوب من جميع الناس ذكي يحب دراسته وهو في الصف التاسع، وبعد انتهاء الامتحانات، وانتظاره النتيجة الذي يطمح لإكمال تعليمه بها، بدأ يعاني المرض، أخذته إلى الصيدلية القريبة من المنزل بسبب سوء الوضع المادي الذي نعيشه، طلب مني نقله للمشفى في الصباح الباكر وإجراء بعض الفحوصات له عند طبيب أخصائي، وفعلاً لم أتأخر بهذا الشأن نقلته إلى مشفى كفرنبل وهناك أجروا له الفحوصات والتحاليل، ليتوصل الطبيب إلى وجود ماء في بطنه وجرثومة في دمه، ووضعه في غرفة المراقبة، لم أتوقع هذا المرض أن يصل لدرجة سيئة.
بدأ المرض يتفاقم فبطنه ينتفخ ويتألم ولا أستطيع فعل شيء، دموعي تملأ عيني، ماذا أفعل؟ لا أستطيع أن أقف وأتفرج وطفلي يتألم أمامي، طلبت من الطبيب فعل أي شيء وإن كان بحاجة لنقل إلى مشفى آخر سآخذه بسرعة حتى لوكان هناك خطر على حياتي، فقط أريد رؤيته أمامي بخير وصحة جيدة، وبعد مضي أربعة أيام طلب الطبيب نقله إلى مشفى الجامعة في حلب، أخذته وذهبنا برفقة عمه، لأن والده لا يستطيع مرافقتنا وهناك أيضاُ بقينا خمسة عشر يوماً لكن دون جدوى، لأعود به إلى القرية التي يمكث والده الذي أصر على أن أجلبه قبل الذهاب به إلى مشفى الرازي الخاص بدمشق.
تألمت كثيراً على ولدي أمام عيني يعاني المرض، ولكنني أحاول امتلاك نفسي أمامه حتى لا أشعره بحجم مرضه، وأقول له عدة أيام ونعود للمنزل فهو كان يلح بالعودة إلى المنزل ولا ينطق سوى باشتياقه لوالده وإخوته ويريد رؤيتهم، وبعد مضي سبعة أيام أخبرني الطبيب أنه لا يستطيع إجراء عمل جراحي له، وأن وضعه يسوء، عدنا إلى مشفى معرة النعمان في إدلب ليمضي سبعة أيام أخرى، وقبل إطلاق آخر نفس له طلب مني المداومة على صلاتي فهو كان يصلي جميع الأوقات، بدأ يغيب عن الوعي ودخل في غيبوبة مدة يومين.
توقف قلب ولدي عن النبض وغادر الحياة ليموت ويصبح ذكرى لا تنسى، عدت به إلى المنزل الذي يقطن فيه والده جثة هامدة وقد احترق قلبي لفراقه واسودت الدنيا في عيني ومما زاد في حزني وألمي هو نجاح ولدي ونيله الشهادة الإعدادية وكان من المتفوقين، فبقيت شهادته ورحل هو، وكأن ولدي توفي مرتان، ولكن لا يسعني إلاّ أن أقول الحمد لله على كل حال.