ألم مكبوت تحت ركام الحرب
سنوات من الثورة والمرأة تعاني وتقاوم بكل ما لديها لتربية أطفالها وتحمل نفقاتهم بعد أن تكون الحرب قد اخذت زوجها.
فتلك المرأة الأرملة التي ترك لها زوجها ثمانية أطفال، لا معيل لهم ولا مردود مادي يعينهم، فمن الذي سيتكفل برعايتهم؟
نظراتها تثير الشفقة لكل من يتحدث إليها يرى الحزن والقهر في عيونها، فهي دائماً تغمرها الدموع، لا تستطيع أن تتكلم دون بكاء.
تقول لدي ثمانية أطفال أربع بنات وولدين، وقد توفي زوجي منذ فترة، وأنا خضعت لعمل جراحي وليس لدي معيل يعينني لأذهب إلى المشفى أو حتى إلى الطبيب، عندما أتعرض لألم مفاجئ، فأطفالي صغار ليس بإمكانهم إعانتي، وإن احتجت الذهاب لا أملك ثمن أجرة السيارة التي ستنقلني للمشفى، ولا ثمن الدواء الذي يصفه لي الطبيب.
حالة سيئة تعيشها أم أحمد مع أطفالها الصغار، وخاصة بمرض ابنتيها اللتين يتعرضن لدوخة شديدة، فهن لديهما شحنة كهرباء زائدة في دماغهن.
هذا القهر الذي يؤلمني هو ابنتاي، كل يوم أجلس بمفردي لأبكي بعيداً عن أطفالي كي لا يراني أحدهم، أفكر بهن كيف سأعالجهن وأنا لا أملك المبلغ الكافي لعلاجهن فهما بحاجة إلى صورة رنين مغناطيسي، لكن ليس لدي القدرة بسبب تكلفتها الباهظة فقد تكلف الـ ٥٠ ألف ليرة سورية، لكل واحدة منهن.
نساء كثيرات يتعرضن لمثل تلك الحالة، لا معيل ولا مردود ولا أقرباء يقفوا بجانبهن فكل مشغول بنفسه، فتلك الحرب التي أجبرت واحدة من بناتها على العمل في الأراضي الزراعية، كي تقوم بشراء كيس الخبز لأمها وأشقائها بعد رحيل والدهم، على الرغم من قلة أجور العمل، حيث لا تتجاوز الألف ليرة سورية، وخاصة في ظل هذه الظروف لا تقدر سوى أن تؤمن أكياس خبز فقط.
تقول إحدى بنات أم أحمد: تركت مدرستي كي أساعد أمي في عمل المنزل بالإضافة للعمل في الأراضي الزراعية من أجل تأمين ثمن كيس الخبز لأشقائي، فلا يتوفر في منزلنا أدنى مقومات الحياة كالكهرباء وغيرها، حتى أنني انظر إلى الناس خارج المنزل أراهم يلبسون الملابس الجديدة ويفرحون ويعيشون حياتهم بشكل طبيعي، دون قهر أو حزن يؤلمهم كحالنا، فقد تمنيت لو ان حالي كمثلهم.
لكنها بعد فترة اضطرت لترك عملها بسبب الدوخة الشديدة التي تتعرض لها، فمرضها لم يعد يسمح لها بالمتابعة، على الرغم من حاجتهم الماسة لأحد يعينهم حتى بثمن كيس خبز.
ثم تابعت أم أحمد: عندما أرى صديقات أبنتي يذهبن إلى المدرسة يحترق قلبي عليها فهي كانت تود أن تكمل دراستها برفقة صديقاتها لكن ظروفنا لم تسمح لنا.
وتكمل حديثها أم أحمد: لقد تراكمت على الديون من الصيدلاني وغيره من المحلات التي نضطر للشراء منها بحينا.
هذا حال المرأة في الحرب قهر وحزن يرافقها مدى حياتها بالأخص عندما تفقد زوجها أو أحد من أبناءها، فقلبها الرقيق وحرصها وخوفها على عائلتها يجعل منها امرأة صبورة تكمل حياتها على الرغم من كافة الصعوبات التي تواجهها.
نور العمري