أم محمد تعمل مع زوجها في زراعة وبيع الخضار
مشتل من الخضروات يحتوي على مساكب متعددة الأشكال، أربعة مساكب للبندورة وأربعة للفليفلة وأربعة للباذنجان، وطول كل مسكب عشرة أمتار وعرضه متران، وهي مشبكة بأعواد من الكروم على شكل قبة عليها غطاء من النايلون، وتقف إلى جانبها امرأة في عقدها الرابع لتتأمل تلك الخضروات.
أم محمد نازحة منذ عام 2017 من مدينة طيبة الإمام بريف حماة الشمالي إلى قرية الشيخ يوسف بريف إدلب الشمالي، بعد احتلال نظام بشار الأسد وروسيا مدينتها، وهي تعمل في زراعة وبيع الخضراوات في المزرعة التي باتت تسكن فيها.
تتذكر أم محمد يوم نزوحها من بلدتها قائلة: “لن أنسى تلك الليلة التي خرجت فيها من البلدة تحت ظلام الليل والقصف الشديد من قبل قوات الأسد بكل أنواع الأسلحة تمهيداً لدخول البلدة، كان الخوف يقطع قلوبنا، خرجنا بثيابنا التي نرتديها دون أن نستطيع إخراج شيء من أثاث المنزل”.
وتتحدث أم محمد عن حالتها بعد النزوح قائلة: “بعد أن نزحنا إلى قرية الشيخ يوسف أصبح وضعنا المادي صعباً جداً، قام بعض الناس بإعطائنا بعض الأدوات المنزلية، بينما أحد سكان البلدة قام بإعطائنا منزل للسكن فيه، ويوجد في المنزل بئر للماء ومساحة أرض دونمين، وصاحب المنزل خارج سورية، ثم اقترحت على زوجي زراعة هذه الأرض بالخضروات من أجل التجارة والعيش”.
وشرحت لنا أم محمد خطتها في زراعة الأرض في فصل الشتاء قائلة: “منذ شهر ونصف قمنا بتحريك التربة بألية تسمى فرامة، ومن ثم رششنا البذور ووضعنا عليها التراب ولكن بنسبة قليلة كي لا يتأخر نمو البذور، ونزرع بندورة وفليفلة وبقدونس وجرجير ورشاد وفجل وسبانخ، ونبيعها في أحد دكاكين البلدة، والحمد لله نستطيع تأمين مصروف المنزل، صحيح العمل في الأرض متعب وشاق ولكن أفضل من الحاجة للناس”.
كما شرحت لنا خطتها للصيف القادم قائلة: “في شهر نيسان نقوم بتمديد شبكة المياه، وهي عبارة عن خراطيم بلاستيكية على الأرض بخطوط متساوية، وأمام كل ثقب نضع البذرة كي تصل المياه لها، ونقوم بسقايتها كل يوم لأنه كلما كانت ترتوي الأرض بالماء أكثر كلما تصبح الخضروات جيدة وخاصة الباذنجان فهو يحتاج الماء أكثر من غيره حتى لا يصبح مراً، وبعد أربعين يوم تقريباً من زراعتها نبدأ بقطف الخضروات ووضعها بأكياس كبيرة من النايلون من أجل بيعها في السوق، وموسم الصيف تكون أرباحه أكثر، حتى أننا نستطيع توفير قسم من المال من أجل الشتاء”.
وأم محمد هي الزوجة الثانية لزوجها، وتوضح لنا ذلك قائلة: “تزوجت منذ ١٥ سنة، كانت الزوجة الأولى مريضة، بقيت مدة سنتين وبعدها توفيت، كان لديها ابنتان، كنت أعتني بهن وما زلت وأعتبرهن بناتي، فأنا لم أرزق ببنات، وإنما فقط بصبيان، وهم أربعة”.
وقطع حديث أم محمد صوت فتاة في العشرين من عمرها تحمل صينية خضراء اللون عليها ثلاثة فناجين من القهوة وكوب ماء وبعد ضيافتنا جلست معنا على المرجة الخضراء أمام تلك الخضروات ودون أي مقدمات وبكل عفوية بدأت تتحدث عن أم محمد قائلة:
“توفيت والدتي منذ ثلاثة عشر عاماً عندما كنت أنا وأختي صغيرات، كانت خالتي تعتني بنا كثيراً، لقد حرمت من أمي وأنا صغيرة ولكن خالتي عوضتنا حنان الأم، فهي بمثابة أمي، وهناك القليل من النساء اللواتي يعتنين بأولاد الزوج، وهي تساعد والدي في الأرض، فالعمل في الأرض متعب ولكنها لا تدعه يعمل وحده”.
وبينما كنا نتحدث أتت امرأة طويلة القامة ونادت أم محمد وقالت لها: “أريد جرزة بقدونس وجرزة جرجير”، لتجيبها أم محمد: “أهلاً وسهلاً أم حسن، تفضلي واجلسي معنا ريثما أجهزهن لك”.
وبينما كانت أم محمد تقوم بقطف المطلوب شاركتنا أم حسن الحديث قائلة: “أنا أقوم بشراء كل ما يلزمني من خضروات من عند أم محمد، فهي امرأة نظيفة ومعروفة في البلدة بنظافتها وتقانتها، وهي تساعد زوجها بزراعة الأرض، فهو عمل متعب ولكنها تسانده وتقف إلى جانبه وخاصة في ظل هذه الظروف التي تشهدها البلاد”.
وكان لنا فرصة لقاء زوج أم محمد، ذاك الزوج الذي مدح زوجته قائلاً: “زوجتي امرأة عظيمة، وقفت إلى جانبي في أوقاتي الصعبة، منذ أن تزوجتها كانت سنداً لعائلتي وخاصة بعد وفاة زوجتي الأولى، وفي ظل النزوح بدأت تساعدني في العمل في الأرض”.
وجاءت طفلة تبلغ من العمر عشر سنوات ذات عيون خضراء وقالت لأم محمد: “يا خالتي تقول لك أمي أعطيني مقدار طبخة من السبانخ وهي ستدفع لك ثمنها فيما بعد”، لتجيبها أم محمد: “تكرمي يا حلوة، سأجهزها لك الآن”.
لتختم حديثها أم محمد قائلة: “يجب أن تكون كل امرأة قوية لمواجهة الحياة والصعوبات التي تعترضها، ولا تكون عبئاً على عائلتها، وأتمنى من الله الفرج القريب لبلدي سوريا والعودة إلى ديارنا سالمين”.
إعداد: فريق “فرش أونلاين”