أم سامر تعمل في صنع اللبن والجبن لتساعد زوجها
غرفة صغيرة بنيت جدرانها من القرميد المفتقر للإسمنت، في زاويتها مطبخ يكاد لا يتسع لبعض الأواني وموقدين للنار عليهما قدرين كبيرين، هذا منزل أم سامر التي تقطنه وتتخذه مكاناً للعمل في مهنة بسيطة تعتاش منها وعائلتها.
أم سامر (اسم مستعار) امرأة في الثلاثين من عمرها نزحت مع زوجها وأطفالها الثلاثة من مدينة حلب منذ أربع سنوات إلى مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي، بعد أن احتل نظام بشار الأسد وحليفته روسيا مدينة حلب، ما أدى إلى تشرد آلاف المدنيين ونزوحهم إلى ريف حلب بعيداً عن القصف، حيث تسيطر الفصائل الثورية.
وتعمل أم سامر في بيع اللبن والجبن في الغرفة التي استأجرتها بمبلغ ثلاثين دولاراً، حيث تشارك زوجها العمل والذي بدوره حاول جاهداً البحث عن عمل يجلب له دخلاً أكبر ولكن دون جدوى، وتقول أم سامر:
“بعد أن شنت قوات الأسد الحملة الشرسة على حلب قاصدة احتلالها مستعملة أقوى أنواع الأسلحة من قصف بالطيران والمدفعية، لم نعد قادرين على البقاء فالحياة أصبحت صعبة، لم يكن أمامنا سوى النزوح بحثاً عن مكان آمن، فنزحت إلى مدينة إعزاز”.
وتضيف أم سامر شارحة لنا بداية فكرة العمل: “عندما بحث زوجي عن عمل ولم يجد طرحت عليه فكرة العمل بهذه المهنة وقد اتفقنا على أن أصنع له الجبن واللبن وهو يقوم ببيعها، في الشتاء يبيع على بسطة وضعها أمام المنزل يعرض فيها كل ما أصنعه، وفي الصيف يبيع للتجار بسبب عدم امتلاكنا لثلاجة تحفظ منتوجاتنا.
انخفاض قيمة الليرة السورية أثر بشكل سلبي على عمل أم سامر بسبب ارتفاع أسعار الحليب والغاز والذي بدوره قلل الطلب بسبب ارتفاع سعر الجبن واللبن، حيث أصبح الإقبال حوالي نصف الإقبال السابق وذلك حسبما تقول أم سامر.
وتضيف: “لكن بعد أن عرفني الناس هنا لم أهتم كثيراً لتراجع البيع فجاراتي يفضلن ما أصنع من اللبن ويشترين مني بعض ما أصنع وخاصة بعد ارتفاع سعر الخضروات حيث لجأ الناس لشراء اللبن كونه أقل سعراً من كيلو البندورة التي أصبح مؤخراً ب800ليرة سورية”.
قطع حديثنا صوت إحدى الجارات تنادي خارجاً على أم سامر لتجيبها: “أهلاً وسهلاً أم صالح، تفضلي”، وبعد دخولها ألقت أم صالح التحية وجلست وبدأت الكلام: “أتيت لجلب علبة اللبن الذي أوصيتك عليها وأريد واحدة في الغد”.
وتصف أم صالح صناعة أم سامر قائلة: “أم سامر امرأة مجدة في العمل وتعمل على مساعدة زوجها وتربية أطفالها، وأنا أشتري ما يلزمني من عندها، وأحياناً أشتري بالدين، والله يرزقها”.
كما شاركتنا الحديث ابنة أم سامر (منال، تسع سنوات): “أنا أساعد أمي في صنع اللبن فأقوم بتنظيف العلب وتجهيزها قبل أن تنتهي أمي من غلي الحليب، كما أجهز لها قماشات بيضاء لتضع الجبن فيها من أجل صنعه، وأنا أحييها على صبرها وجدها في العمل فقد تحملت الكثير من أجل إسعادنا.
دخل بعد الاستئذان زوجها أبو سامر ويقول معبراً عن امتنانه لزوجته وعملها معه: “زوجتي أم سامر امرأة وفية تحملت مرارة النزوح، سعت جاهدة من أجل تدبير أمور المنزل وتربية الأطفال أحسن تربية وتحاول مساعدتي في تأمين لقمة العيش وأتمنى من الله أن نعود جميعنا لبلدنا”.
وقد عبر سامر عن حبه لأمه قائلاً: “أنا أحب أمي كثيراً، وهي حنونة وعطوفة علينا، ضحت بكل شيء من أجل ألا تتركنا نحتاج أحداً، الله يحميها، أتمنى لها الصحة والعافية والله يديمها فوق رؤوسنا”.
وتتذكر أم سامر يوم نزوحها قائلة: “تركت بيتي الذي عشت فيه وقضيت كل الذكريات الجميلة ضمنه ونزحت إلى هنا حيث مرارة الغربة، لن أنسى ذلك اليوم ما دمت حية، عندما بدأ طيران الأسد بقصف منازل المدنيين”.
وتتمنى أم سامر أن ينتصر السوريون على نظام بشار الأسد وتقول: “لقد كتب علينا الله أن نخرج من منزلنا ولكن أملي بالله كبير وسوف نعود إن شاء الله وسنتغلب على كل مصاعب الحياة، و أتمنى أن ينتصر أبناء سوريا على بشار الظالم ويحل السلام والاستقرار وأعود إلى منزلي”.
إعداد: كادر موقع فرش أونلاين