برحيلهم لم يبقَ لي سوى المعاناة
اسمي “فاطمة” أبلغُ من العمر أربعين عاماً لديَّ سبعةُ أولاد، تزوّجتُ في سنٍّ مبكرٍ وكان زوجي معلمَّاً في إحدى مدارس بلدة أبو الظهور البعيدة عن بلدتي، ولأنَّ مكان عمله بعيد ذهبنا واستقرينا هناك مدَّةً طويلة، وبدأتُ أنا بالتعلَّم وحصلتُ على شهادة الثالث الثانوي.
وعندما اندلعتِ الثورة وانتشرت في شتَّى أنحاء سوريا، قررتُ أنا وزوجي العودةَ إلى البلدة لنبقى جبناً إلى جنبٍ مع أهلي وأقربائي.
وبعد مدَّةٍ من عودتنا فتح زوجي محلَّاً لبيع المحروقات ليؤمنَ لنا بعضاً من مستلزمات الحياة في ظلَّ الظروف العصيبة، وكان من معاريضي نظام البعث وكان أولادي منضمَّين إلى أحد الفصائل وكان ابني خالد يذهبُ كثيراً على المعارك.
وذات يومٍ جاء لي خبرٌ بأنَّ ابني قد استشهد في إحدى المعارك ضد جيش بشَّار الأسد، كانت صدمةً كبيرةً فلم أُصدَّقُ النبأ إلى أن وضعوا جثتَّه أمامي تلكَ لحظةٌ من أقسى لحظات الحياة حيث قلبي تفطّر وجعاً وعيوني تنهمرُ بالدمع والنَّاسُ من حولي يقولون لي إنَّ ابنك شهيد.
وبعد زرف الدموع ودَّعته وقبَّلتُ جبينه وهمستُ له بكلام المودّع المحزون بأني لن أدوم طويلاً من بعدك.
إلى أن جاء الصدمة الثانية وهي إصابة ولدي بشظايا في جسده بإحدى ضربات الطائرات الحربيَّة وأدت إلى مجزرة في البلدة وسميت بمجزرة الأقلام، أدت هذه الإصابةُ إلى انتشار مرض السرطان في الدم وكان اكتشاف هذا المرض متأخراً فذهب ولدي إلى مشفى في تركيا ولكن لم يقاوم المرض أكثر، حتى جاء محمل على النعش لكي يفارق هذه الحياة تاركاً لي الكثير من المعاناة بعد فراقه وفراق أخيه.