لا مسكن لنا ولا مردود مادي يعيننا
خيمة صغيرة متشققة وأرض محفرة، يسكنها خمسة عشر شخصاً، لا ليلهم ليل ولا نهارهم نهار، حشرات تدخل من كل مكان، فهذه الخيمة لا تصلح للعيش أبداً.
أم ماجد نزحت من بلدتها بريف حماه الشمالي، إلى ريف ادلب الجنوبي، بعد الهجمة الشرسة التي تعرضت لها المنطقة من قبل نظام الأسد والميليشيات الموالية له.
خرجت مع أطفالي بلباسنا فقط، للنجاة بأنفسنا من القصف الهمجي.
تابعت الحديث، صرخات في كل مكان، أشلاء هنا وهناك، غارات، صواريخ، شهداء، مشاهد لا توصف بكلمات.
ويقال لي أم اليتامى، ولدي ولد شهيد، وأنا مريضة بقصور في الغدة الدرقية، ولا يوجد لدي المبلغ الكافي لشراء الدواء المناسب له.
أم ماجد حالها كحال معظم النساء السوريات اللواتي رملن وهجرن من بيوتهن، ليس لديها أي مردود مادي يعينها ويعين أطفالها اليتامى.
بعد ذلك بدأت تصفن في أعماقها، وتوقفت عن الكلام، ولم تستغرق هذه الحالة إلا بضع ثوان، لتبدأ بعدها دموعها بالتساقط على خديها، ثم تتابع الحديث بكلمات متقطعة، عندما خرجت من منزلي وعلمت أن قوات نظام الأسد استولت على أراضينا التي كنا نعتمد عليها في المعيشة، لا أدري ما أصابني أليس لأطفالي الحق فيها، من هم ليعتدوا على أرزاقنا، تمنيت لو أن الله أنزل عليهم من السماء ناراً تحرقهم وتمسح وجودهم.
أرملة محترق قلبها باتت تسهر الليل من الجوع والخوف.
وبعد مجيئنا إلى المخيمات بفترة قصيرة تراكمت علينا الديون، لا أدري ما الذي يمكنني فعله للحصول على لقمة العيش ألا وهي الخبز.
أطفالها بجوارها ينظرون إليها باستغراب وهي تبكي، لا يعلمون كيف يعيشون الحياة، فهم ليس كغيرهم من الأطفال الذين تمتعوا بطفولتهم وتوفر لهم الأمان والكثير من احتياجاتهم، أقلها الطعام والملابس.
وفي معظم الأحيان تمر علينا الأيام ولا نجد ما نأكله، أطفالي صغار لا يدرون أن أوضاعنا المعيشية صعبة لا تسمح لنا بشراء ابسط حاجيات المنزل، حتى وإن مرض أحدهم لا أستطيع شراء الدواء له.
ألم شديد يحرق قلبها فإحدى بناتها حرقت بأبريق شاي مغلي، لكن عدم قدرتها على دفع تكاليف العلاج منعها من معالجتها بشكل كاف، فأجار تكلفة العملية يتحاوز المليون ليرة سورية.
ثم نظرت إلى وعينيها تلمع بسبب الدموع التي بداخلها، وقالت كم أتمنى لو تمنيت لو أن إحدى المنظمات تتفقد حالنا بخيمة تأوينا غير تلك التي نقطنها، لأبعدهم أطفالي قدر الامكان عن الحشرات، وتكون ملجأ أمناً لنا في أيام الشتاء القارس.
لم أتخيل يوماً بأن تنعدم الإنسانية من قلوب البشر، لا ذنب لنا لما حصل لنا، نأمل من الله أن يكون بعوننا أين ما ذهبنا.
نور العمري