عندما يقتل الإجرام كلَّ شي وتصبح الخيمة أكبر الأمنيات
في منزل ريفي جميل محاط بالأشجار والأزهار تسكن مع أسرتها، والسعادة تملأ أركان المنزل وضحكات الأطفال تزيد منزلها بهجة وسرور. كل صباح تستيقظ أم محمد لتصنع طعام الفطور لأطفالها، ثم توقظهم بكل حب وحنان.
يذهب الأطفال إلى المدرسة بعد الافطار ووداعهم لها، تبدأ بالقيام بالأعمال المنزلية، ثم تقوم بإعداد طعام الغداء منتظرة عودتهم بشوق كبير ، وبعد أن ينهي الأطفال غدائهم وواجباتهم المدرسية يخرجون للعب في فناء المنزل وهكذا تقضي أم محمد أيامها مع أطفالها بكل فرح وسعادة. وذات يوم وبينما الأطفال يلعبون في فناء المنزل، سمعوا صوتاً قوياً ومدوياً ملأ أركان المكان رعباً، وإذ بطائرة حربية ألقت بحمم صواريخها على الحي، الذي تقطن فيه أم محمد مع أطفالها وكأنها تريد الانتقام من تلك البراءة والضحكات الجميلة، كانت هي بالداخل ولكن فلذات كبدها في الخارج يلعبون ويمرحون، صوت الطائرة جعلها تشعر برعب شديد وكأنه سلب منها الحياة فتسارعت نبضات قلبها وأخذ الدمع يسيل على خديها وتتحرك شفتيها بالدعاء، ولسان حالها يقول يا الله احم لي أطفالي، وبينما هي على هذه الحال والرعب باد على تعاليم وجهها، دخل رجال الدفاع المدني “الخوذ البيضاء” وأخرجوها من المنزل وهي تنادي أين أولادي فرد عليها أحدهم لاتخافي يا أختي جميع سكان الحي بخير، وعندما وصلت برفقة أولئك الرجال، والذين كانوا الملائكة بأعين أم محمد وفكرها، إلى قبو وضعوا أغلب سكان الحي فيه لحين رحيل الطائرة نظرت أم محمد بين الموجودين فوحدت أطفالها بخير والحمدلله، ولم تصبهم شظايا الصاروخ المتناثرة في كل مكان، ضمت أم محمد أطفالها إلى صدرها، وشكرت ربها على سلامة أطفالها فهم أملها في الحياة بعد وفاة والدهم، صحيح أن المنزل قد تهدم جزء كبير منه ولكن الحمدلله الأطفال بخير.
وبعد أن فقدت أم محمد منزلها، قررت النزوح من بلدتها بريف حماة الشمالي إلى المخيمات في الشمال السوري بحثاً عن الأمان، مصطحبة معها أطفالها وذكرياتها، وهرباً من صواريخ طائرات الأسد.
حبست أم محمد حزنها بداخلها وقررت التماسك لتستطيع العيش من أجل أطفالها.
لم تكن تعلم أن ما ينتظرها أقسى مما أصابها ، فقد ظنت أنها إذا نزحت ستحصل على المساعدة من بعض الجمعيات الخيرية، أو أنها ستجد عملاً تسد به رمق أطفالها، ولكنها لم تجد لها ولأطفالها شيئاً أو مأوى سوى بضعة أمتار من التراب تحت أشجار الزيتون حيث مكثت مع أطفالها في ظلها تحت أشعة الشمس، بالقرب من المخيمات العشوائية، ومع ذلك لم تتمكن من الحصول على خيمة من القماش، تقطن فيها مع أطفالها الأيتام لتقيهم بعضاً من حر الصيف، وبرد الشتاء فقد كان ظل تلك الأشجار أرحم بها من جميع البشر.
وبهذا يكون مصاب أم محمد مصابين بفقدانها لمنزلها ونزوحها من بلدتها، وعجزها أمام أطفالها فما كان منها إلا أن تنتظر رحمة الله عز وجل، وهي تذرف الدموع ليلاً ونهاراً وقلبها يحترق ألماً لأجل صغارها وحاجتهم إلى الكثير من المستلزمات الضرورية، فأطفالها صغار وهم بحاجة للغذاء والدواء والسكن وهي لا تستطيع تأمين أي شئ لهم .
هذا ما حدثتنا عنه أم محمد من الحال التي وصلت إليها مع أطفالها، والدموع تنهمر على وجنتيها بحرقة ومرارة .
أم محمد ليست الوحيدة التي فقدت منزلها واضطرت للنزوح بعيداً عن بلدها في ظل تلك الظروف التي تمر بها البلاد بل معظم الأمهات السوريات يعانين من القهر والحرمان في ظل الحرب الدائرة التي لا تبقي ولا تذر.
(وفاء المحمد )