فاطمة تنسج من القطع البالية ثياباً للبيع
تعيش فاطمة (30 عاماً) في مدينة دارة عزة الواقعة في ريف حلب الغربي والخاضعة لسيطرة الفصائل الثورية والبالغ تعداد سكانها قرابة سبعين ألف نسمة، وهي تعمل في الخياطة ونسج الصوف.
وعاشت فاطمة معظم طفولتها يتيمة بعد وفاة والدتها، وتزوجت في الرابعة عشرة من عمرها، ثم طلقها زوجها أحمد بعد نحو سنة من الزواج لأنها لم تتمكن من الحمل، وتتحدث عن ذلك قائلة:
“ما إن رآني أبي قد نضجت قليلاً حتى زوجني، وكانت زوجته تلح عليه بأن يزوجني بحجة أنه يجب على الأهل تزويج الفتيات سريعاً، وطبعاً أبي كان مقتنعاً بذلك بمجرد أن زوجته قالت هكذا”.
وتتابع: “كنت سعيدة عندما سمعت بأنني سأتزوج وأرتدي الفستان الأبيض، لكني وبسبب صغر سني لم أكن أعلم بأن ذلك الزواج غير مناسب لطفلة مثلي لا تعلم أي شيء عن هذه الحياة، وبعد أن طُلقتُ من زوجي ووجدت نفسي وحيدة بلا معيل كان علي أن أثبت لكل من حولي أنني قادرة على مواجهة مصاعب الحياة وإثبات نفسي”.
بعد ذلك بدأت فاطمة بنسج القبعات الصوفية الصغيرة والجوارب والكنزات الولادية وغيرها، وقد اتفقت مع أخيها سامر (12 عاماً) على أن يساعدها في بيع ما تنتجه على بسطة في السوق، فأبوها لا يريد أن تقف هي على البسطة، وقد اختارت فاطمة رقعة صغيرة من الرصيف المحاذي لمنزل أهلها، وبحكم أن منزل أهلها يقع ضمن السوق، فإن ذلك كان يساعد في جلب الزبائن.
وعن كيفية شرائها للصوف بأسعار رخيصة تقول فاطمة: “أعمد أن أشتري ملابس صوفية من البالة، ولا أعتمد على موديل القطعة التي اشتريها أو كبرها، فكل ما يهمني هو متانة الخيط بحيث يكون غير مستعمل أو غير ملبوس بشكل كبير، وأحاول أن أختار الألوان الزاهية ما أمكن”.
اعتبرت فاطمة عملها جزءاً مهماً من حياتها وأحبته كثيراً، وتعاملها مع الناس شكل لديها تفاؤلاً كبيراً وأحست أنها عنصر مهم في المجتمع، وهي قادرة على إثبات نفسها دون مساعدة أحد، وتقول:
“عندما بدأت العمل حاولت أن أعمل بكل جد وإصرار، وبسبب عدم قدرتي على شراء الصوف الجديد فهو غالي الثمن، اخترت أن أشتري قطع البالة الصوفية، وذلك حسب وزن القطعة ويقدر سعر الكيلوغرام الواحد بثلاثمئة ليرة سورية، بينما أبيع كل قطعة أنسجها بقرابة الـ 1000 ليرة”.
وتوضح: “طبعاً كل قطعة لها سعر مختلف عن غيرها، وأعيد نسجها بحيث تظهر بشكل أجمل من قبل، وأبيعها بسعر مناسب، ولاحظت إقبالاً كبيراً على الملبوسات التي نسجتها، قمت بنسج الألبسة الولادية والبناتية التي تناسب جميع الأعمار والأذواق، والطلب على ما أنتجه يزداد بعون الله”.
وبعد فترة قررت فاطمة أن توسع عملها في نسج الصوف من خلال متابعتها دورات تعليم نسج الصوف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، محاولة تطوير عملها لجذب أكبر عدد ممكن من الزبائن، وعلى ضوء ذلك بدأت أحوالها المادية تتحسن شيئاً فشيئاً.
وبينما كنت أتحدث مع فاطمة طرقت باب منزلها جارتها أم أحمد (43 عاماً)، وبعد السلام والترحيب قالت أم أحمد:
“أريد أن أشتري من عندك بعض القطع التي فاضت لديك وتريدين رميها من أجل تشغيل المدفأة، وأنا في عجلة من أمري فالطقس بارد”، ثم ناولتها فاطمة ما تريد وقالت لها: “تفضلي هذا ما بقي عندي منها، وخذيه مجاناً”.
وشرحت لي فاطمة عن كيفية تعلمها عبر الهاتف في منزلها وقالت: “كنت متقنة عملي ولكن أحتاج للتعرف على موديلات بالإضافة للموديلات التي أعرفها، وما ساعدني على الربح هو أن هذه المهنة لا تحتاج رأسمال كبيراً، وأرباحي جيدة بسبب الإقبال الكبير على الشراء”.
وتفضل نجوى (35 عاماً) الشراء من عند فاطمة وتقول: “أفضل شراء ملبوسات أطفالي من عند فاطمة لأنها تنسج بإتقان وأجد كل ما يعجبني وبأسعار مناسبة، بالإضافة لذلك فإن فاطمة لا تعرف الغش فهي توضح لي بأن ما تنسجه معاد من صوف مستعمل، وإذا أنا أردت أن تنسج لي بصوف جديد فلا مانع لديها”.
وشاركتنا الحديث سمر (اسم مستعار) وهي في العشرينيات من عمرها وكانت تحمل بيديها كيساً وضعت فيه ثوباً صوفياً وأرادت من فاطمة أن تنسج لها مثله، فقالت فاطمة: “تكرمي، إن شاء الله خلال يومين يكون جاهزاً”.
وقد عبرت سمر عن إعجابها بعمل فاطمة قائلة: “أعجبت إعجاباً كبيراً بما تنسجه فاطمة فهي تتقنه بشكل ممتاز، وعلى الرغم من أنها ما زالت جديدة على هذا العمل ولكنها استطاعت أن تنتج ملبوسات متنوعة وبألوان زاهية”.
كانت فاطمة فرحة فرحاً كبيراً بما عبرت عنه سمر مما زادها تفاؤلاً على العمل بجد وإصرار قائلة:
“إن ما مر علي من ظروف صعبة وظلم من قبل زوجي سابقاً وزوجة أبي لم يحبطني وإنما جعلني امرأة قوية قادرة على الاعتماد على نفسي”.
إعداد: محمود الرسلان